منتدى الأجنحة الحرة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 من روائع نازك الملائكة

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
noon
مشرف عام
noon


ذكر
عدد الرسائل : 608
تاريخ التسجيل : 02/11/2007

من روائع نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: الكوليرا   من روائع نازك الملائكة Icon_minitime22/11/2007, 12:28 am

الكوليرا ........................ نازك الملائكة
تعتبر قصيدة الكوليرا واحدة من أجمل ما كتبته الشاعرة العراقية نازك الملائكة، كما يعتبرها دارسو الأدب أول قصيدة تكتب بالشعر الحر فكانت هي الولادة الأولى لهذا النوع من الشعر.
تتجلى فى القصيدة أنات الموت والرحيل وأقدام الذاهبين والعائدين من المقبرة، لقد فتك ذاك الوباء بالألوف، لكنه لم يفتك بكلمات نازك.
قصيدة في منتهى الروعة، قاربت فيها الشاعرة ذروة الإبداع الشعري.
.....................

سكَن الليلُ
أصغِ إلى وَقْع صَدَى الأنَّاتْ
في عُمْق الظلمةِ, تحتَ الصمتِ, على الأمواتْ
صَرخَاتٌ تعلو, تضطربُ
حزنٌ يتدفقُ, يلتهبُ
يتعثَّر فيه صَدى الآهاتْ
في كل فؤادٍ غليانُ
في الكوخِ الساكنِ أحزانُ
في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ
في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ
هذا ما قد مَزّقَهُ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
يا حُزْنَ النيلِ الصارخِ مما فعلَ الموتْ
طَلَع الفجرُ
أصغِ إلى وَقْع خُطَى الماشينْ
في صمتِ الفجْر, أصِخْ, انظُرْ ركبَ الباكين
عشرةُ أمواتٍ, عشرونا
لا تُحْصِ أصِخْ للباكينا
اسمعْ صوتَ الطِّفْل المسكين
مَوْتَى, مَوْتَى, ضاعَ العددُ
مَوْتَى, موتَى, لم يَبْقَ غَدُ
في كلِّ مكانٍ جَسَدٌ يندُبُه محزونْ
لا لحظَةَ إخلادٍ لا صَمْتْ
هذا ما فعلتْ كفُّ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
تشكو البشريّةُ تشكو ما يرتكبُ الموتْ
الكوليرا
في كَهْفِ الرُّعْب مع الأشلاءْ
في صمْت الأبدِ القاسي حيثُ الموتُ دواءْ
استيقظَ داءُ الكوليرا
حقْدًا يتدفّقُ موْتورا
هبطَ الوادي المرِحَ الوُضّاءْ
يصرخُ مضطربًا مجنونا
لا يسمَعُ صوتَ الباكينا
في كلِّ مكانٍ خلَّفَ مخلبُهُ أصداءْ
في كوخ الفلاّحة في البيتْ
لا شيءَ سوى صرَخات الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
في شخص الكوليرا القاسي ينتقمُ الموتْ
الصمتُ مريرْ
لا شيءَ سوى رجْعِ التكبيرْ
حتّى حَفّارُ القبر ثَوَى لم يبقَ نَصِيرْ
الجامعُ ماتَ مؤذّنُهُ
الميّتُ من سيؤبّنُهُ
لم يبقَ سوى نوْحٍ وزفيرْ
الطفلُ بلا أمٍّ وأبِ
يبكي من قلبٍ ملتهِبِ
وغدًا لا شكَّ سيلقفُهُ الداءُ الشرّيرْ
يا شبَحَ الهيْضة ما أبقيتْ
لا شيءَ سوى أحزانِ الموتْ
الموتُ, الموتُ, الموتْ
يا مصرُ شعوري مزَّقَهُ ما فعلَ الموتْ
................................................. noon
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
noon
مشرف عام
noon


ذكر
عدد الرسائل : 608
تاريخ التسجيل : 02/11/2007

من روائع نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: من روائع نازك الملائكة   من روائع نازك الملائكة Icon_minitime19/12/2007, 1:49 pm

إهداء لجميع الأخوة بمناسبة اقتراب قدوم العام الجديد
نازك الملائكة ................ إلى العام الجديد
-----------------------------------
يا عام لا تقرب مساكننا فنحن هنا طيوف
من عالم الأشباح, يُنكرُنا البشر
ويفر منّا الليل والماضي ويجهلنا القدر
ونعيش أشباحًا تطوفْ
نحن الذين نسير لا ذكرى لنا
لا حلم, لا أشواقُ تُشرق, لا مُنى
آفاق أعيننا رمادْ
تلك البحيرات الرواكدُ في الوجوه الصامتهْ
ولنا الجباه الساكتهْ
لا نبضَ فيها لا اتّقادْ
نحن العراة من الشعور, ذوو الشفاه الباهتهْ
الهاربون من الزمان إلى العدمْ
الجاهلون أسى الندمْ
نحن الذين نعيش في ترف القصورْ
ونَظَلُّ ينقصنا الشعور.
لا ذكرياتْ,
نحيا ولا تدري الحياةْ,
نحيا ولا نشكو, ونجهلُ ما البكاءْ
ما الموت, ما الميلاد, ما معنى السماء
**
يا عامُ سرْ, هو ذا الطريقْ
يلوي خطاكَ, سدًى نؤمل أن تُفيقْ
نحن الذين لهم عروق من قصبْ
بيضاءُ أو خضراء نحن بلا شعورْ.
الحزن نجهله ونجهل ما الغضب
ما قولُهم إنّ الضمائر قد تثور
ونود لو متنا فترفضنا القبور
ونود لو عرف الزمانْ
يومًا إلينا دربه كالآخرين
لو أننا كنا نؤرخ بالسنين,
لو أننا كنا نقيَّد بالمكانْ
لو أن أبواب القصور الشاهقات
كانت تجيءُ قلوبَنا بسوى الهواء,
لو أننا كنا نسير مع الحياةْ
نمشي, نحس, نرى, ننام
وينالنا ثلج الشتاءْ
ويلفُّ جبْهَتَنا الظلام
أواه لو كنا نحسّ كما يحس الآخرونْ
وتنالنا الأسقام أحيانًا وينهشنا الألم
لو أنَّ ذكرَى أو رجاء أو ندم
يومًا تسدُّ على بلادتنا السبيلْ
لو أننا نخشى الجنونْ
ويثيرُ وحشَتنا السكون
لو أن راحتنا يعكّرها رحيل
أو صدمة أو حزن حب مستحيل.
أواه لو كنا نموت كما يموت الآخرونْ
...........

نازك الملائكة ........... أغنية حب للكلمات

-----------------------------------
فيمَ نخشَى الكلماتْ
وهي أحيانًا أكُُفٌّ من ورودِ
بارداتِ العِطْرِ مرّتْ عذْبةً فوق خدودِ
وهي أحيانًا كؤوسٌ من رحيقٍ مُنْعِشِ
رشَفَتْها, ذاتَ صيفٍ, شَفةٌ في عَطَشِ?
**
فيم نخشى الكلماتْ?
إنّ منها كلماتٍ هي أجراسٌ خفيّهْ
رَجعُها يُعلِن من أعمارنا المنفعلاتْ
فترةً مسحورةَ الفجرِ سخيّهْ
قَطَرَتْ حسّا وحبًّا وحياةْ
فلماذا نحنُ نخشى الكلماتْ?
**
نحنُ لُذْنا بالسكونِ
وصمتنا, لم نشأ أن تكشف السرَّ الشِّفاهُ
وحَسِبنا أنّ في الألفاظ غولاً لا نراهُ
قابعًا تُخْبئُهُ الأحرُفُ عن سَمْع القرونِ
نحنُ كبّلنا الحروف الظامئهْ
لم نَدَعْها تفرشُ الليلَ لنا
مِسْندًا يقطُرُ موسيقَى وعِطْرًا ومُنَى
وكؤوسًا دافئهْ
**
فيم نخشى الكلماتْ?
إنها بابُ هَوًى خلفيّةٌ ينْفُذُ منها
غَدُنا المُبهَمُ فلنرفعْ ستارَ الصمتِ عنها
إنها نافذةٌ ضوئيّةٌ منها يُطِلّ
ما كتمناهُ وغلّفناهُ في أعماقنا
مِن أمانينا ومن أشواقنا
فمتى يكتشفُ الصمتُ المملُّ
أنّنا عُدْنا نُحبّ الكلماتْ?
**
ولماذا نحن نخشَى الكلماتْ
الصديقاتِ التي تأتي إلينا
من مَدَى أعماقنا دافئةَ الأحرُفِ ثَرّهْ?
إنها تَفجؤنا, في غَفْلةٍ من شفتينا
وتغنّينا فتنثالُ علينا ألفُ فكرهْ
من حياةٍ خِصْبة الآفاقِ نَضْرهْ
رَقَدَتْ فينا ولم تَدْرِ الحياةْ
وغدًا تُلْقي بها بين يدينا
الصديقاتُ الحريصاتُ علينا, الكلماتْ
فلماذا لا نحبّ الكلماتْ?
**
فيمَ نخشى الكلماتْ?
إنّ منها كلماتٍ مُخْمليات العُذوبَهْ
قَبَسَتْ أحرفُها دِفْءَ المُنى من شَفَتين
إنّ منها أُخَرًا جَذْلى طَروبهْ
عَبرَت ورديّةَ الأفراح سَكْرى المُقْلتين
كَلِماتٌ شاعريّاتٌ, طريّهْ
أقبلتْ تلمُسُ خَدّينا, حروفُ
نامَ في أصدائها لونٌ غنيّ وحفيفُ
وحماساتٌ وأشواقٌ خفيّهْ
**
فيمَ نخشى الكلماتْ?
إن تكنْ أشواكها بالأمسِ يومًا جرَحتْنا
فلقد لفّتْ ذراعَيْها على أعناقنا
وأراقتْ عِطْرَها الحُلوَ على أشواقنا
إن تكن أحرفُها قد وَخَزَتْنا
وَلَوَتْ أعناقَها عنّا ولم تَعْطِفْ علينا
فلكم أبقت وعودًا في يَدَينا
وغدًا تغمُرُنا عِطْرًا ووردًا وحياةْ
آهِ فاملأ كأسَتيْنا كلِماتْ
**
في غدٍ نبني لنا عُشّ رؤًى من كلماتْ
سامقًا يعترش اللبلابُ في أحرُفِهِ
سنُذيبُ الشِّعْرَ في زُخْرُفِهِ
وسنَرْوي زهرَهُ بالكلماتْ
وسنَبْني شُرْفةً للعطْرِ والوردِ الخجولِ
ولها أعمدةٌ من كلماتْ
وممرًّا باردًا يسْبَحُ في ظلٍّ ظليلِ
حَرَسَتْهُ الكلماتْ
**
عُمْرُنا نحنُ نذرناهُ صلاةْ
فلمن سوف نصلّيها... لغير الكلماتْ?

نازك الملائكة ......... شجرة القمر
-----------------------------------
1
على قمّةٍ من جبال الشمال كَسَاها الصَّنَوْبَرْ
وغلّفها أفُقٌ مُخْمليٌّ وجوٌّ مُعَنْبَر ْ
وترسو الفراشاتُ عند ذُرَاها لتقضي المَسَاءْ
وعند ينابيعها تستحمّ نجومُ السَّمَاءْ
هنالكَ كان يعيشُ غلامٌ بعيدُ الخيالْ
إذا جاعَ يأكلُ ضوءَ النجومِ ولونَ الجبالْ
ويشربُ عطْرَ الصنوبرِ والياسمين الخَضِلْ
ويملأ أفكارَهُ من شَذَى الزنبقِ المُنْفعلْ
وكان غلامًا غريبَ الرؤى غامض الذكرياتْ
وكان يطارد عطر الرُّبَى وصَدَى الأغنياتْ
وكانت خلاصةُ أحلامِهِ أن يصيدَ القَمَرْ
ويودعَهُ قفصًا من ندًى وشذًى وزَهَرْ
وكان يقضِّي المساءَ يحوك الشباكَ ويَحْلُمْ
يوسّدُهُ عُشُبٌ باردٌ عند نبع مغمغِمْ
ويسْهَرُ يرمُقُ وادي المساء ووجْهَ القَمَرْ
وقد عكستْهُ مياهُ غديرٍ بَرُودٍ عَطِرْ
وما كان يغفو إذا لم يَمُرّ الضياءُ اللذيذ
على شَفَتيهِ ويسقيهِ إغماءَ كأسِ نبيذْ
وما كان يشربُ من منبع الماء إلاّ إذا
أراق الهلالُ عليه غلائلَ سكرى الشَّذَى
2
وفي ذات صيفٍ تسلّل هذا الغلامُ مساءْ
خفيفَ الخُطَى, عاريَ القدمين, مَشُوقَ الدماءْ
وسار وئيدًا وئيدًا إلى قمَّةٍ شاهقهْ
وخبّأ هيكلَهُ في حِمَى دَوْحةٍ باسقهْ
وراح يعُدّ الثواني بقلبٍ يدُقّ يدُقّ
وينتظرُ القَمَرَ العذْبَ والليلُ نشوانُ طَلْقُ
وفي لحظةٍ رَفَعَ الشَّرْقُ أستارَهُ المُعْتمهْ
ولاحَ الجبينُ اللجينيّ والفتنةُ المُلْهِمهْ
وكان قريبًا ولم يَرَ صيّادَنا الباسما
على التلِّ فانسابَ يذرَعُ أفْقَ الدُّجَى حالما
... وطوّقَهُ العاشقُ الجبليّ ومسّ جبينَهْ
وقبّلَ أهْدابَهُ الذائباتِ شذًى وليونهْ
وعاد به: ببحارِ الضِّياءِ, بكأس النعومهْ
بتلك الشفاهِ التي شَغَلتْ كل رؤيا قديمهْ
وأخفاه في كُوخه لا يَمَلّ إليه النَّظَرْ
أذلكَ حُلْمٌ? وكيف وقد صاد.. صادَ القَمرْ?
وأرقَدَه في مهادٍ عبيريّةِ الرّوْنقِ
وكلّلَهُ بالأغاني, بعيْنيهِ, بالزّنْبقِ
3
وفي القريةِ الجبليّةِ, في حَلَقات السّمَرْ
وفي كلّ حقلٍ تَنَادَى المنادون: "أين القمر?!"
"وأين أشعّتُهُ المُخْمليّةُ في مَرْجنا?"
"وأين غلائلُهُ السُّحُبيّة في حقلنا?"
ونادت صبايا الجبالِ جميعًا "نُريدُ القَمَرْ!"
فردّدتِ القُنَنُ السامقاتُ: "نُريدُ القَمَرْ"
"مُسامِرُنا الذهبيّ وساقي صدى زَهْرنا"
"وساكبُ عطر السنابِل والورد في شَعْرنا"
"مُقَبّلُ كلّ الجِراح وساقي شفاه الورودْ"
"وناقلُ شوقِ الفَرَاشِ لينبوعِ ماءٍ بَرودْ"
"يضيءُ الطريقَ إلى كلّ حُلْمٍ بعيدِ القَرَارْ"
"ويُنْمي جدائلَنا ويُريقُ عليها النُّضَارْ"
"ومن أينَ تبرُدُ أهدابُنا إن فَقَدْنا القَمَر?"
"ومَنْ ذا يرقّقُ ألحاننا? مَن يغذّي السّمَرْ?"
ولحنُ الرعاةِ تردّدَ في وحشةٍ مضنيهْ
فضجّتْ برَجْعِ النشيدِ العرائشُ والأوديهْ
وثاروا وساروا إلى حيثُ يسكُنُ ذاكَ الغُلامْ
ودقّوا على البابِ في ثورةٍ ولَظًى واضطرامْ
وجُنّوا جُنُونًا ولم يَبْقَ فوق المَرَاقي حَجَرْ
ولا صخرةٌ لم يُعيدا الصُّرَاخَ: "نُريدُ القَمَرْ"
وطاف الصّدَى بجناحَيْهِ حول الجبالِ وطارْ
إلى عَرَباتِ النجومِ وحيثُ ينامُ النّهَارْ
وأشرَبَ من نارِهِ كلّ كأسٍ لزهرةِ فُلِّ
وأيقَظَ كلّ عبيرٍ غريبٍ وقَطْرةِ طلِّ
وجَمّعَ مِن سَكَراتِ الطبيعةِ صوتَ احتجاجْ
ترددَ عند عريش الغلامِ وراء السياجْ
وهزَّ السكونَ وصاحَ: "لماذا سَرَقْت القَمَرْ?"
فجُنّ المَسَاءُ ونادى: "وأينَ خَبَأْتَ القَمَرْ?"
4
وفي الكوخِ كان الغلامُ يضُمّ الأسيرَ الضحوكْ
ويُمْطرُهُ بالدموع ويَصْرُخُ: "لن يأخذوك?"
وكان هُتَافُ الرّعاةِ يشُقّ إليهِ السكونْ
فيسقُطُ من روحه في هُوًى من أسًى وجنونْ
وراح يغنّي لملهِمه في جَوًى وانْفعالْ
ويخلطُ بالدَّمْع والملح ترنيمَهُ للجمالْ
ولكنّ صوتَ الجماهيرِ زادَ جُنونًا وثورهْ
وعاد يقلِّبُ حُلْمَ الغلامِ على حدِّ شفرهْ
ويهبطُ في سَمْعه كالرّصاص ثقيلَ المرورْ
ويهدمُ ما شيّدتْهُ خيالاتُهُ من قصور
وأين سيهرُبُ? أين يخبّئ هذا الجبينْ?
ويحميهِ من سَوْرة الشَّوْقِ في أعين الصائدين?
وفي أيّ شيء يلفّ أشعَّتَهُ يا سَمَاءْ
وأضواؤه تتحدّى المخابئَ في كبرياءْ?
ومرّتْ دقائقُ منفعِلاتٌ وقلبُ الغُلامْ
تمزِّقُهُ مُدْيةُ الشكِّ في حَيْرةٍ وظلامْ
وجاء بفأسٍ وراح يشقّ الثَّرَى في ضَجَرْ
ليدفِنَ هذا الأسيرَ الجميلَ, وأينَ المفرْ?
وراحَ يودِّعُهُ في اختناقٍ ويغسِلُ لونهْ
بأدمعِه ويصُبّ على حظِّهِ ألفَ لعنَهْ
5
وحينَ استطاعَ الرّعاةُ المُلحّون هدْمَ الجدارْ
وتحطيمَ بوّابةِ الكوخ في تَعَبٍ وانبهارْ
تدفّقَ تيّارهم في هياجٍ عنيفٍ ونقمهْ
فماذا رأوا? أيّ يأسٍ عميق وأيّة صَدْمَهْ!
فلا شيءَ في الكوخ غيرَ السكون وغيرَ الظُّلَمْ
وأمّا الغُلامُ فقد نام مستَغْرَقًا في حُلُمْ
جدائلُهُ الشُّقْرُ مُنْسدلاتٌ على كَتِفَيهِ
وطيفُ ابتسامٍ تلكّأ يَحلُمُ في شفتيهِ
ووجهٌ كأنَّ أبولونَ شرّبَهُ بالوضاءهْ
وإغفاءةٌ هي سرّ الصَّفاءِ ومعنى البراءهْ
وحار الرُّعاةُ أيسرقُ هذا البريءُ القَمَرْ?
ألم يُخطِئوا الاتّهام ترى? ثمّ... أينَ القَمَرْ?
وعادوا حَيارى لأكواخهم يسألونَ الظلامْ
عن القَمَر العبقريّ أتاهَ وراءَ الغمامْ?
أم اختطفتْهُ السَّعالي وأخفتْهُ خلفَ الغيومْ
وراحتْ تكسّرُهُ لتغذّي ضياءَ النجومْ?
أمِ ابتلعَ البحرُ جبهتَهُ البضّةَ الزنبقيّهْ?
وأخفاهُ في قلعةٍ من لآلئ بيضٍ نقيّهْ?
أم الريحُ لم يُبْقِ طولُ التنقّلِ من خُفِّها
سوى مِزَقٍ خَلِقاتٍ فأخفتْهُ في كهفها
لتَصْنَعَ خُفّينِ من جِلْدِهِ اللّين اللَّبَنيّ
وأشرطةً من سَناهُ لهيكلها الزنبقي
6
وجاء الصباحُ بَليلَ الخُطَى قمريّ البرُودْ
يتوّجُ جَبْهَتَهُ الغَسَقيَّةَ عِقْدُ ورُودْ
يجوبُ الفضاءَ وفي كفّه دورقٌ من جَمالْ
يرُشّ الندى والبُرودةَ والضوءَ فوق الجبالْ
ومرَّ على طَرَفَيْ قدمَيْه بكوخ الغُلامْ
ورشَّ عليه الضياءَ وقَطْرَ النَّدى والسَّلامْ
وراح يسيرُ لينجز أعمالَهُ في السُُّفُوحْ
يوزِّعُ ألوانَهُ ويُشِيعُ الرِّضا والوضوحْ
وهبَّ الغلامُ مِنَ النوم منتعشًا في انتشاءْ
فماذا رأى? يا نَدَى! يا شَذَى! يا رؤى! يا سماءْ!
هنالكَ في الساحةِ الطُّحْلُبيَّةِ, حيثُ الصباحْ
تعوَّدَ ألاَّ يَرَى غيرَ عُشْبٍ رَعَتْهُ الرياحْ
هنالكَ كانت تقومُ وتمتدّ في الجوِّ سِدْرَهْ
جدائلُها كُسِيَتْ خُضْرةً خِصْبةَ اللون ِثَرَّهْ
رعاها المساءُ وغذَّت شذاها شِفاه القَمَرْ
وأرضَعَها ضوءُه المختفي في الترابِ العَطِرْ
وأشربَ أغصانَها الناعماتِ رحيقَ شَذَاهُ
وصبَّ على لونها فضَّةً عُصِرَتْ من سَناهُ
وأثمارها? أيّ لونٍ غريبٍ وأيّ ابتكارْ
لقد حار فيها ضياءُ النجومِ وغارَ النّهارْ
وجُنّتْ بها الشَّجَراتُ المقلِّدَةُ الجامِدَهْ
فمنذ عصورٍ وأثمارُها لم تَزَلْ واحدهْ
فمن أيِّ أرضٍ خياليَّةٍ رَضَعَتْ? أيّ تُرْبهْ
سقتْها الجمالَ المفضَّضَ? أي ينابيعَ عذْبَهْ?
وأيةُ معجزةٍ لم يصِلْها خَيالُ الشَّجَرْ
جميعًا? فمن كلّ غُصْنٍ طريٍّ تَدَلَّى قَمَرْ
7
ومرَّتْ عصورٌ وما عاد أهلُ القُرى يذكرون
حياةَ الغُلامِ الغريبِ الرُّؤى العبقريِّ الجُنون
وحتى الجبالُ طوتْ سرّه وتناستْ خطاهُ
وأقمارَهُ وأناشيدَهُ واندفاعَ مُناهُ
وكيف أعادَ لأهلِ القُرى الوالهين القَمَرْ
وأطلَقَهُ في السَّماءِ كما كانَ دونَ مقرْ
يجوبُ الفضاءَ ويَنْثرُ فيه النَّدَى والبُرودهْ
وشِبْهَ ضَبابٍ تحدّر من أمسياتٍ بعيدهْ
وهَمْسًا كأصداء نبعٍ تحدّر في عمْق كهفِ
يؤكّدُ أنَّ الغلامَ وقصّتَهُ حُلْمُ صيفِ

نازك الملائكة ............... النهر العاشق
أين نمضي? إنه يعدو إلينا
راكضًا عبْرَ حقول القمْح لا يَلْوي خطاهُ
باسطًا, في لمعة الفجر, ذراعَيْهِ إلينا
طافرًا, كالريحِ, نشوانَ يداهُ
سوف تلقانا وتَطْوي رُعْبَنا أنَّى مَشَيْنا
**
إنه يعدو ويعدو
وهو يجتازُ بلا صوتٍ قُرَانا
ماؤه البنيّ يجتاحُ ولا يَلْويه سَدّ
إنه يتبعُنا لهفانَ أن يَطْوي صبانا
في ذراعَيْهِ ويَسْقينا الحنانا
**
لم يَزَلْ يتبعُنا مُبْتسمًا بسمةَ حبِّ
قدماهُ الرّطبتانِ
تركتْ آثارَها الحمراءَ في كلّ مكانِ
إنه قد عاث في شرقٍ وغربِ
في حنانِ
**
أين نعدو وهو قد لفّ يدَيهِ
حولَ أكتافِ المدينهْ?
إنه يعمَلُ في بطءٍ وحَزْمٍ وسكينهْ
ساكبًا من شفَتَيْهِ
قُبَلاً طينيّةً غطّتْ مراعيْنا الحزينهْ
**
ذلكَ العاشقُ, إنَّا قد عرفناهُ قديما
إنه لا ينتهي من زحفِهِ نحو رُبانا
وله نحنُ بنَيْنا, وله شِدْنا قُرَانا
إنه زائرُنا المألوفُ ما زالَ كريما
كلَّ عامٍ ينزلُ الوادي ويأتي للِقانا
**
نحن أفرغنا له أكواخنا في جُنْح ليلِ
وسنؤويهِ ونمضي
إنه يتبعُنا في كل أرضِ
وله نحنُ نصلّي
وله نُفْرِغُ شكوانا من العيشِ المملِّ
**
إنه الآن إلهُ
أو لم تَغْسِل مبانينا عليه قَدَمَيْها?
إنه يعلو ويُلْقي كنزَهُ بين يَدَيها
إنه يمنحُنا الطينَ وموتًا لا نراهُ
من لنا الآنَ سواهُ?


نازك الملائكة ................إلى الشعر
-----------------------------------
من بَخور المعابدِ في بابل الغابرهْ
من ضجيج النواعيرِ في فَلَواتِ الجَنوبْ
من هتافاتِ قُمْريّةٍ ساهرهْ
وصدى الحاصدات يغنّين لحنَ الغروبْ
ذلكَ الصوتُ, صوتُكَ سوف يؤوبْ
لحياتي, لسمع السنينْ
مُثخَنًا بعبيرِ مساءٍ حزينْ
أثقلتهُ السنابِلُ بالأرَجِ النَّشْوانْ,
بصدًى شاعريّ غريبْ
من هُتافاتِ ضفدعةٍ في الدجى النعسان
يملأُ الليلَ والغدْرانْ
صوتُها المتراخي الرتيبْ
**
ذلك الصوتُ, صوتُكَ سوف يؤوب
لحياتي, لسَمْع المساءْ
سيؤوبُ وأسمعُ فيه غناءْ
قمريَّ العُذوبةِ فيه صَدًى من ليالي المطر
من هدوءِ غُصونِ الشجر
وهي تمتصّ سَكْرى, رحيق السَّماءْ
الرحيقَ الذي عطّرتْهُ الغيومْ
بالرؤى, بتحايا النجومْ
**
سأجوبُ الوجودْ
وسأجمَعُ ذرّاتِ صوتِكَ من كل نَبْعٍ بَرودْ
من جبال الشِّمالْ
حيث تهمسُ حتى الزنابقُ بالأُغنياتْ
حيثُ يحكي الصنوبرُ للزَّمَنِ الجوّالْ
قصصًا نابضاتْ
بالشَّذى, قصصًا عن غرامِ الظِّلالْ
بالسواقي, وعن أغنياتِ الذئابْ
لمياهِ الينابيعِ في ظُلَلِ الغاباتْ
عن وقَارِ المراعي وفلسفة الجَدْولِ المُنْسابْ
عن خَروفٍ يُحسّ اكتِئابًا عميقْ
ويُقضِّي النَّهارْ
يقضِمُ العُشْبَ والأفكارْ
مُغْرَقًا في ضَبابِ وجودٍ سحيقْ
**
وسأجمعُ ذرّاتِ صَوْتِك من ضَحِكاتِ النعيمْ
في مساءٍ قديمْ
من أماسيِّ دِجلةَ يُثْقلُ أجواءَهُ بالحنينْ
مرحُ الساهرينْ
يرشفونَ خرير المياهْ
وهي تَرْطُمُ شاطئَهُمْ, وضياءُ القَمَرْ
قَمَرِ الصيفِ يملأ جوّ المَساءِ صُوَرْ
والنسيمُ يمرّ كلمس شِفاهْ
من بلادٍ أُخَرْ
ليلةٌ شهرزاديّةُ الأجواءْ
في دجاها الحَنونْ
كلّ شيءٍ يُحسّ ويحلُمُ حتى السكونْ
ويهيم بحبِّ الضياءْ
**
وسأسمَع صوتَكَ حيثُ أكونْ
في انفعال الطبيعةِ, في لَحَظاتِ الجنونْ
حينَ تُثْقل رجعَ الرُّعودْ
ألفُ أسطورةٍ عن شَبابِ الوجودْ
عن عصورٍ تَلاَشَتْ وعن أُمَم لن تعودْ
عن حكاياتِ صبيانِ (عادْ)
لصبايا (ثمودْ)
وأقاصيصَ غنَّتْ بها شهرزادْ
ذلك الملكَ المجنونْ
في ليالي الشتاءْ
وسأسمَعُ صوتَكَ كلّ مَسَاءْ
حين يغفو الضياءْ
وتلوذُ المتاعبُ بالأحلامْ
وينامُ الطموحُ تنامُ المُنَى والغَرَامْ
وتنامُ الحياةُ, ويبقى الزَّمَانْ
ساهرًا لا يَنَامْ
مثل صوتك, ملء الدُّجَى الوَسنانْ
صوتُكَ السهرانْ
في حنيني العميق
صوتك الأبديّ الذي لا يَنَامْ
فهو يبقَى معي سهرانْ
وأُحسّ صداهُ الملوّنَ يملأ كل طريقْ
بالشَّذَى بندى الألوانْ
صوتُكَ المجهولْ
أنا أدركتُ - يا فرحتا - سرّهُ المَعْسُولْ
أنا أدركتُهُ أنا وَحْدي وصمْتُ الزَّمَانْ

نازك الملائكة .............مرثية يوم تافه
-----------------------------------
لاحتِ الظلمةُ في الأفْق السحيقِ
وانتهى اليومُ الغريبُ
ومضت أصداؤه نحو كهوفِ الذكرياتِ
وغدًا تمضي كما كانت حياتي
شفةٌ ظمأى وكوبُ
عكست أعماقُهُ لونَ الرحيقِ
وإِذا ما لمستْهُ شفتايا
لم تجدْ من لذّةِ الذكرى بقايا
لم تجد حتى بقايا
انتهى اليومُ الغريبُ
انتهى وانتحبتْ حتى الذنوبُ
وبكتْ حتى حماقاتي التي سمّيتُها
ذكرياتي
انتهى لم يبقَ في كفّيّ منه
غيرُ ذكرى نَغَم يصرُخُ في أعماق ذاتي
راثيًا كفّي التي أفرغتُها
من حياتي, وادّكاراتي, ويومٍ من شبابي
ضاعَ في وادي السرابِ
في الضباب
كان يومًا من حياتي
ضائعًا ألقيتُهُ دون اضطرابِ
فوق أشلاء شبابي
عند تلِّ الذكرياتِ
فوق آلافٍ من الساعاتِ تاهت في الضَّبابِ
في مَتاهاتِ الليالي الغابراتِ
كان يومًا تافهًا. كان غريبًا
أن تَدُقَّ الساعةُ الكَسْلى وتُحصي لَحظاتي
إنه لم يكُ يومًا من حياتي
إنه قد كان تحقيقًا رهيبا
لبقايا لعنةِ الذكرى التي مزقتُها
هي والكأسُ التي حطّمتها
عند قبرِ الأمل الميِّتِ, خلفَ السنواتِ,
خلف ذاتي
كان يومًا تافهًا.. حتى المساءِ
مرت الساعاتُ في شِبْهِ بكاءِ
كلُّها حتى المساءِ
عندما أيقظَ سمعي صوتُهُ
صوتُهُ الحُلْوُ الذي ضيّعتُه
عندما أحدقتِ الظلمةُ بالأفْقِ الرهيبِ
وامّحتْ حتى بقايا ألمي, حتى ذنوبي
وامّحى صوتُ حبيبي
حملت أصداءه كفُّ الغروبِ
لمكانٍ غابَ عن أعينِ قلبي
غابَ لم تبقَ سوى الذكرى وحبّي
وصدى يومٍ غريبِ
كشحوبي
عبثًا أضرَعُ أن يُرجِعَ لي صوتَ حبيبي

[.......... مع تحيات noon


عدل سابقا من قبل في 23/12/2007, 3:11 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
noon
مشرف عام
noon


ذكر
عدد الرسائل : 608
تاريخ التسجيل : 02/11/2007

من روائع نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع نازك الملائكة   من روائع نازك الملائكة Icon_minitime21/12/2007, 3:03 pm

نازك الملائكة ...............أغنية الهاوية
مججتُ الزوايا التي تلتوي
وراءَ النفوسْ
وراءَ بريقِ العُيُونْ
وأبغضتُ حتى السُّكونْ
وتلكَ المعاني التي تنطوي
عليها الكؤوسْ
معاني الصَّدَى والجُنونْ
معاني الخطايا التي تُبرقُ
بريقَ النجومْ
وفي لمسها اللهبُ المُحرقُ
ولونُ الهمومْ
كرهتُ الجفونَ التي تأسرُ
وخلفَ سماء ابتساماتها
لهيب الحقود
كرهتُ الأكفَّ التي تعصرُ
وخلفَ حرارة رَعْشاتها
جمودٌ كذُلِّ الحياهْ
على جُثةٍ تحت بعض اللحودْ
تعيثُ بها دودةٌ في برودْ
كرهتُ ارتعاشَ الشفاهْ
برَجعِ الصلاهْ
ففي كلِّ لفظٍ خطيئهْ
تجيشُ بها رَغباتٌ دنيئهْ
وعفتُ طُموحي وبحثي الطويلْ
عن الخيرِ, والحبِّ, والمُثلِ العاليهْ
وحقّرتُ سعيي إلى عالمٍ مستحيلْ
فخلفَ انخداعيَ تنتظرُ الهاويهْ
وعفتُ جنوني القديمَ وعفتُ الجديدْ
وأودعتهُ في مكانٍ بعيدْ
دفنتُ به رَغَباتِ البشرْ
وسمّيتهُ جنة الواهمين
ستمضي السنينْ
لماذا أُحسُّ الأسى والضَّجَرْ,
وكفُّ المطَرْ
تلفُّ على عنقي المختنقْ
حبالَ الفِكرْ?
وأينَ أسيرُ وقلبي النزقْ
هنالكَ ما زالَ, لا يبرُدُ
ولا يحترقْ
كقلبِ أبي الهولِ. أين الغدُ?
أُحسُّ حياتي تذوبْ
قفي لحظةً واحدهْ
ولا تَسحبي يَدكِ الباردهْ
فأغنيةُ الهاويهْ
تُهِيبُ بأقداميَ الشاردهْ
وتَلوي الدروبْ
قفي لحظةً يا حبالَ الحياهْ
ولا تتركيني هنا
معلقةً بالفراغِ الرهيبْ
فأمسي القريبْ
تلاشى على آخرِ المنحنى
وظلُّ غدي
تَلثَّمَ, أُوّاهُ لو أهتدي
قفي لحظةً واحدهْ
ولا تَسحبي يَدَكِ الباردهْ
فأغنيةُ الهاويهْ
تردّدها الأنفسُ الجانيهْ
تكرّرُها في جُنونْ
على سمعيَ المُجهَدِ
تكرّرُها لم يَعُدْ لي سكونْ
أكادُ أسيرُ إلى الهاويهْ
مع السائرينْ
وأدفِنُ آخرَ أحلاميهْ
وأنسى غدي
نازك الملائكة .............. في جبال الشمال
-----------------------------------
عُدْ بنا يا قطار ْ
فالظلام رهيبٌ هنا والسكونُ ثقيلْ
عُدْ بنا فالمدَى شاسعٌ والطريقُ طويل
والليالي قِصارْ
عدْ بنا فالرياحُ تنوحُ وراءَ الظلالْ
وعُواءُ الذئابِ وراءَ الجبالْ
كصراخِ الأسى في قلوبِ البشرْ
عُدْ بنا فعلى المنحدَرْ
شَبحٌ مكفهرٌّ حزينْ
تركتْ قَدَماهُ على كلِّ فجرٍ أثرْ
كلُّ فجرٍ تقضّى هنا بالأسى والحنين
شَبحُ الغربةِ القاتلهْ
في جبال الشّمالِ الحزينْ
شبحُ الوَحدةِ القاتلهْ
في الشمالِ الحزينْ
عد بنا قد سئمنا الطَّوَافْ
في سُفُوحِ الجبال وعُدْنا نخافْ
أن تطولَ ليالي الغيابْ
ويغطي عُوَاءُ الذئابْ
صوتنا ويعزُّ علينا الإيابْ
عُدْ بنا للجنوبْ
فهناكَ وراءَ الجبالِ قلوبْ
عدْ بنا للذينَ تركناهُم في الضبابْ
كلُّ كفٍّ تلوِّحُ في لهفةٍ واكتئابْ
كل كفٍّ فؤاد
عدْ بنا يا قطارُ, سئمنا الطَّوَافَ وطالَ البعادْ
وهنالكَ همسٌ عميقْ
لاثغٌ خلفَ كلِّ طريق
في شعابِ الجبالِ الضِّخامْ
ووراءَ الغمامْ
في ارتعاشِ الصَّنَوْبرِ, في القريةِ الشاحبهْ,
في عُوَاءِ ابن آوى, وفي الأنجمِ الغاربهْ,
في المراعي هنالكَ صوتٌ شَرُودْ
هامسٌ أن نعودْ
فهناكَ بيوتٌ أُخَر
ومراعٍ أخرْ
وقلوبٌ أخرْ
وهناكَ عيونٌ أبَت أن تنامْ
وأكفٌّ تضمُّ الدُّجَى في اضطرامْ
وشفاهٌ ترددُ أسماءنا في الظلامْ
وقلوبٌ تُصيخُ لأقدامنا في وُجومْ
وتنادي النجومْ
في أسًى وسكونْ:
"ومتى يا نجومُ سيذكرنا الهاربونْ?"
"ومتى يَرْجعونْ?"
لحظةً, سنعودْ
لن يرانا الدُّجَى ها هنا, سنعودْ
سنعودُ, سنطوي الجبالْ
ورُكَامَ التلالْ
لن ترانا ليالي الشمالْ
ها هنا من جديدْ
لن يحسَّ الفضاءُ المديد
نارَ آهاتِنا في المساءِ الرهيبْ
في سكونِ المساءِ الرهيبْ
**
عُدْ بنا يا قطارَ الشمالْ
فهناكَ وراءَ الجبالْ
الوجوهُ الرقاقُ التي حجَبَتها الليالْ
عُدْ بنا, عُد إلى الأذرُعِ الحانيهْ
في ظلالِ النخيلْ
حيثُ أيامُنا الماضيهْ
في انتظارٍ طويلْ
وقفتْ في انتظار
تتحرى رجوعَ القطارْ
لتسير مع السائرينْ
حيثُ أيامُنا تسألُ العابرينْ
واحدًا, واحدًا, في حنينْ
"ومتى عودةُ الهاربينْ?"
**
لنعُدْ فهناكَ نشيد قديمْ
حولَنا هامسٌ بالرُّجوعْ
ما أحبَّ الرجوعْ
بعد هذا الطوَاف الأليمْ
في جديبِ الشِّعابْ
حيث تَعْوي الذئاب
لنعدْ, فالدُّجَى بارد كالجليدْ
وهنالكَ خلفَ الفضاءِ البعيدْ
أذرعٌ دافئهْ
لنعدْ فالجبالُ تكشِّرُ عن ليلها المظلمِ
وهنالكَ خلفَ الدُّجَى المبهَمِ
صوتُ أحبابنا, في الظلامِ السحيقْ
نابضًا بالحنينِ العميقْ
صوتُهم مُثقلاً بالعتابْ
صوتُهم ردّدته الشِّعابْ
صوتُهُم في سكون المكانْ
دائرٌ كالزمانْ
لنعُدْ قبلَ أن يقضيَ الأفعوانْ
بفراقٍ طويلٍ, طويلْ
عن ظلالِ النخيلْ
عن أعزائنا خلفَ صمتِ القفارْ
عدْ بنا يا قطارْ
فالليالي قصار
وهنالكَ أحبابُنا في أسًى وانتظارْ
نازك الملائكة ............. مرثية إمرأة
-----------------------------------
[ صور من زقاق بغداديّ ]
ذهبتْ ولم يَشحَبْ لها خدٌّ ولم ترجُفْ شفاهُ
لم تَسْمع الأبوابُ قصةَ موتها تُرْوَى وتُرْوَى
لم تَرتَفِعْ أستار نافذةٍ تسيلُ أسًى وشجوَا
لتتابعَ التابوت بالتحديقِ حتى لا تراهُ
إلا بقيّةَ هيكلٍ في الدربِ تُرْعِشُه الذِّكَرْ
نبأ تعثّر في الدروب فلم يجدْ مأوًى صداهُ
فأوَى إلى النسيانِ في بعضِ الحُفَرْ
يرثي كآبَته القَمَرْ.
**
والليلُ أسلم نفسَهُ دون اهتمامٍ, للصَباحْ
وأتى الضياءُ بصوتِ بائعةِ الحليبِ وبالصيامْ,
بمُوَاءِ قطٍّ جائعٍ لم تَبْقَ منه سوى عظامْ,
بمُشاجراتِ البائعين, وبالمرارةِ والكفاحْ,
بتراشُقِ الصبيان بالأحجار في عُرْضِ الطريقْ,
بمساربِ الماء الملوّثِ في الأزقّةِ, بالرياحْ,
تلهو بأبوابِ السطوح بلا رفيقْ
في شبهِ نسيانٍ عميقْ
............
noon
[center]


عدل سابقا من قبل في 23/12/2007, 3:15 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
noon
مشرف عام
noon


ذكر
عدد الرسائل : 608
تاريخ التسجيل : 02/11/2007

من روائع نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع نازك الملائكة   من روائع نازك الملائكة Icon_minitime23/12/2007, 2:57 am

نازك الملائكة .......... نغمات مرتعشة
-----------------------------------
عد , لم يزل قلبي نشيدا حالما
يشدو بحّبك لحنه المفتون
عد فالكآبة أغرقت بظلامها
روحي , فليلي أدمع وشجون
عد , لا تدع نفسي يعذبها الألم
ويعض فيها خافق محزون
عد فالحياة – إذا رجعت – أشعّة
ومشاعر سحرّية وفتون
خطواتك اللاّتي تباعد رجعها
في مسمعي , تحت الظلام الشاحب
كلمتك اللاتي تلاشى وقعها
وخبت بعيدا , في السكون الراعب
بسماتك اللاتي خبت ومضاتها
في مقلتيّ , مع النهار الذاهب
ذابت جميعا , والستائر أسدلت
في مسرح الأمل الجميل الغارب
أرنو ولا شيء يروق لناظري
وأصيخ , أين ملاحني وملاحمي؟
عد , عد إلى روحي الغريب ,فادمعي
عصفت بأفراحي وقلبي الساهم
عد يا نشيدي الشاعريّ لمسمعي
ماذا يعوض عن صداك الحالم؟
حبي الإلهيّ النقيّ ظلمته
ووفاء روحي الشاعريّ العابد
قلبي الرقيق أسأت فهم حنينه
ونشيد أحلامي وروح قصائدي
لم أدر ماذا كان , إلا رعشة
في روحي الولهى وقلبي الشارد
وخلا المكان وعدت أسأل وحشتي
عن طيفك الناسي وحبّي الخالد
ما زلت منذ ذهبت حيرى في الدجى
شهد الأسى أّني لزمت مكانيا
وهمي يصوّر لي خطاك ووقعها
فإذا أصخت صحوت من أحلاميا
لا شيء غير الرّيح تعصف في الدجى
لا شيء غير تنّهدي وبكائيا
نازك الملائكة .................. غرباء
-----------------------------------
أطفئ الشمعةَ واتركنا غريبَيْنِ هنا
نحنُ جُزءانِ من الليلِ فما معنى السنا?
يسقطُ الضوءُ على وهمينِ في جَفنِ المساءْ
يسقطُ الضوءُ على بعضِ شظايا من رجاءْ
سُمّيتْ نحنُ وأدعوها أنا:
مللاً. نحن هنا مثلُ الضياءْ
غُربَاءْ
اللقاء الباهتُ الباردُ كاليومِ المطيرِ
كان قتلاً لأناشيدي وقبرًا لشعوري
دقّتِ الساعةُ في الظلمةِ تسعًا ثم عشرا
وأنا من ألمي أُصغي وأُحصي. كنت حَيرى
أسألُ الساعةَ ما جَدْوى حبوري
إن نكن نقضي الأماسي, أنتَ أَدْرى,
غرباءْ
مرّتِ الساعاتُ كالماضي يُغشّيها الذُّبولُ
كالغدِ المجهولِ لا أدري أفجرٌ أم أصيلُ
مرّتِ الساعاتُ والصمتُ كأجواءِ الشتاءِ
خلتُهُ يخنق أنفاسي ويطغى في دمائي
خلتهُ يَنبِسُ في نفسي يقولُ
أنتما تحت أعاصيرِ المساءِ
غرباءْ
أطفئ الشمعةَ فالرُّوحانِ في ليلٍ كثيفِ
يسقطُ النورُ على وجهينِ في لون الخريف
أو لا تُبْصرُ? عينانا ذبولٌ وبرودٌ
أوَلا تسمعُ? قلبانا انطفاءٌ وخمودُ
صمتنا أصداءُ إنذارٍ مخيفِ
ساخرٌ من أننا سوفَ نعودُ
غرباءْ
نحن من جاء بنا اليومَ? ومن أين بدأنا?
لم يكنْ يَعرفُنا الأمسُ رفيقين.. فدَعنا
نطفرُ الذكرى كأن لم تكُ يومًا من صِبانا
بعضُ حبٍّ نزقٍ طافَ بنا ثم سلانا
آهِ لو نحنُ رَجَعنا حيثُ كنا
قبلَ أن نَفنَى وما زلنا كلانا
غُرباءْ
نازك الملائكة ..................أنا
-----------------------------------
الليلُ يسألُ من أنا
أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ
أنا صمتُهُ المتمرِّدُ
قنّعتُ كنهي بالسكونْ
ولفقتُ قلبي بالظنونْ
وبقيتُ ساهمةً هنا
أرنو وتسألني القرونْ
أنا من أكون?
والريحُ تسأل من أنا
أنا روحُها الحيران أنكرني الزمانْ
أنا مثلها في لا مكان
نبقى نسيرُ ولا انتهاءْ
نبقى نمرُّ ولا بقاءْ
فإذا بلغنا المُنْحَنى
خلناهُ خاتمةَ الشقاءْ
فإِذا فضاءْ!
والدهرُ يسألُ من أنا
أنا مثلهُ جبّارةٌ أطوي عُصورْ
وأعودُ أمنحُها النشورْ
أنا أخلقُ الماضي البعيدْ
من فتنةِ الأمل الرغيدْ
وأعودُ أدفنُهُ أنا
لأصوغَ لي أمسًا جديدْ
غَدُهُ جليد
والذاتُ تسألُ من أنا
أنا مثلها حيرَى أحدّقُ في ظلام
لا شيءَ يمنحُني السلامْ
أبقى أسائلُ والجوابْ
سيظَل يحجُبُه سراب
وأظلّ أحسبُهُ دنا
فإذا وصلتُ إليه ذابْ
وخبا وغابْ
..............
noon
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
noon
مشرف عام
noon


ذكر
عدد الرسائل : 608
تاريخ التسجيل : 02/11/2007

من روائع نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع نازك الملائكة   من روائع نازك الملائكة Icon_minitime24/12/2007, 11:02 pm

نازك الملائكة................. عاشقة الليل
-----------------------------------
يا ظلامَ الليلِ يا طاويَ أحزانِ القلوبِ
أُنْظُرِ الآنَ فهذا شَبَحٌ بادي الشُحوبِ
جاء يَسْعَى ، تحتَ أستاركَ ، كالطيفِ الغريبِ
حاملاً في كفِّه العودَ يُغنّي للغُيوبِ
ليس يَعْنيهِ سُكونُ الليلِ في الوادي الكئيبِ
****
هو ، يا ليلُ ، فتاةٌ شُهد الوادي سُرَاها
أقبلَ الليلُ عليها فأفاقتْ مُقْلتاها
ومَضتْ تستقبلُ الواديْ بألحانِ أساها
ليتَ آفاقَكَ تدري ما تُغنّي شَفَتاها
آهِ يا ليلُ ويا ليتَكَ تدري ما مُنَاها
****
جَنَّها الليلُ فأغرتها الدَيَاجي والسكونُ
وتَصَبَّاها جمالُ الصَمْتِ ، والصَمْتُ فُتُونُ
فنَضتْ بُرْدَ نهارٍ لفّ مَسْراهُ الحنينُ
وسَرَتْ طيفاً حزيناً فإِذا الكونُ حزينُ
فمن العودِ نشيجٌ ومن الليلِ أنينُ
****
إِيهِ يا عاشقةَ الليلِ وواديهِ الأَغنِّ
هوذا الليلُ صَدَى وحيٍ ورؤيا مُتَمنٍّ
تَضْحكُ الدُنْيا وما أنتِ سوى آهةِ حُزْنِ
فخُذي العودَ عن العُشْبِ وضُمّيهِ وغنّي
وصِفي ما في المساءِ الحُلْوِ من سِحْر وفنِّ
****
ما الذي ، شاعرةَ الحَيْرةِ ، يُغْري بالسماءِ ؟
أهي أحلامُ الصَبايا أم خيالُ الشعراء ؟
أم هو الإغرامُ بالمجهولِ أم ليلُ الشقاءِ ؟
أم ترى الآفاقُ تَستهويكِ أم سِحْرُ الضياءِ ؟
عجباً شاعرةَ الصمْتِ وقيثارَ المساء
****
طيفُكِ الساري شحوبٌ وجلالٌ وغموضُ
لم يَزَلْ يَسْري خيالاً لَفَّه الليلُ العريضُ
فهو يا عاشقةَ الظُلْمة أسرارٌ تَفيضُ
آه يا شاعرتي لن يُرْحَمَ القلبُ المَهِيضُ
فارجِعي لا تَسْألي البَرْق فما يدري الوميضُ
عَجَباً ، شاعرةَ الحَيْرةِ ، ما سرُّ الذُهُولِ ؟
ما الذي ساقكِ طيفاً حالماً تحتَ النخيلِ ؟
مُسْنَدَ الرأسِ الى الكفَينِ في الظلِّ الظليلِ
مُغْرَقاً في الفكر والأحزانِ والصمتِ الطويلِ
ذاهلاً عن فتنةِ الظُلْمة في الحقلِ الجميلِ
****
أَنْصتي هذا صُراخُ الرعْدِ ، هذي العاصفاتُ
فارجِعي لن تُدْركي سرّاً طوتْهُ الكائناتُ
قد جَهِلْناهُ وضنَتْ بخفاياهُ الحياةُ
ليس يَدْري العاصفُ المجنونُ شيئاً يا فتاةُ
فارحمي قلبَكِ ، لن تَنْطِقُ هذي الظُلُماتُ

نازك الملائكة................. صلاة الأشباح
-----------------------------------
تململت الساعةُ الباردهْ
على البرج, في الظلمة الخامدهْ
ومدّتْ يدا من نُحاسْ
يدًا كالأساطير بوذا يحرّكُها في احتراسْ
يدَ الرَّجل المنتصبْ
على ساعة البرج, في صمته السرمديّ
يحدّقُ في وجْمة المكتئبْ
وتقذفُ عيناهُ سيلَ الظلامِ الدَّجِيّ
على القلعة الراقدهْ
على الميّتين الذينَ عيونُهُمُ لا تموت
تظَلّ تحدَّقُ, ينطقُ فيها السكوتْ
وقالتْ يد الرَّجُلِ المنتصِب:
"صلاةٌ, صلاهْ!"
**
ودبّتْ حياهْ
هناكَ على البُرْج, في الحَرَس المُتْعَبينْ
فساروا يجرّونَ فوق الثَّرَى في أناهْ
ظلالَهُمُ الحانيات التي عَقَفَتْها السنينْ
ظلالَهُمُ في الظلام العميقِ الحزينْ
وعادتْ يدُ الرجل المنتصِبْ
تُشير: "صلاةٌ, صلاهْ!"
فيمتزجُ الصوتُ بالضجّة الداويهْ,
صدى موكبِ الحَرَسِ المقتربْ
يدُقّ على كلّ بابٍ ويصرخُ بالنائمينْ
فيبرُزُ من كلّ بابٍ شَبَحْ
هزيلٌ شَحِبْ,
يَجُرّ رَمَادَ السنينْ,
يكاد الدُّجى ينتحبْ
على وَجْهِهِ الجُمْجُمِيّ الحزينْ
**
وسار هنالكَ موكبُهُمْ في سُكونْ
يدبّونَ في الطُّرقاتِ الغريبةِ, لا يُدْركونْ
لماذا يسيرونَ? ماذا عسى أن يكونْ?
تلوَّتْ حوالَيْهمُ ظُلُماتُ الدروبْ
أفاعيَ زاحفةً ونُيُوبْ
وساروا يجرّون أسرارَهُمْ في شُحُوب
وتهمسُ أصواتهم بنشيدٍ رهيبْ,
نشيدِ الذينَ عيونُهُمُ لا تموتْ,
نشيد لذاك الإلهِ العجيبْ
وأغنيةٌ ليد الرَّجُلِ المنتصبْ
على البرج كالعنكبوتْ
يدٌ من نحاسْ
يحرّكها في احتراسْ
فترسل صيحَتها في الدياجي
"صلاةٌ, صلاهْ"
**
وفي آخر الموكب الشَّبَحيّ المُخيفْ
رأى حارس شَبَحَيْن
يسيرانِ لا يُدْركان متى كان ذاك وأيْن?
تحُزّ الرّياح ذراعيهما في الظلام الكثيفْ
وما زال في الشَّبَحينِ بقايا حياهْ
ولكنّ عينيهما في انطفاءْ
ولفظُ "صلاة صلاهْ"
يضِجّ بسَمْعَيْهما في ظلام المساءْ
**
"ألستَ ترى"
"خُذْهما!"
ثم ساد السكون العميق
ولم يَبْقَ من شَبَح في الطريق
**
وفي المعْبَد البرْهميّ الكبير
وحيثُ الغموضُ المُثيرْ
وحيثُ غرابةُ بوذا تلُفّ المكانْ
يُصلّي الذينَ عيونُهُم لا تموتْ
ويَرْقُبُهم ذلكَ العنكبوتْ
على البرج مستغْرَقًا في سكوتْ,
فيرتفعُ الصوت ضخْمًا, عميق الصدى, كالزمان
ويرتجفُ الشَّبَحانْ
**
"من القلعةِ الرطبةِ الباردهْ"
"ومن ظُلُمات البيوت"
"من الشُرَف الماردهْ"
"من البرجِ, حيثُ يدُ العنبكوتْ"
"تُشيرُ لنا في سكوتْ"
"من الطرقات التي َتعْلِك الظُلْمَةَ الصامتهْ"
"أتيناكَ نسحَب أسرارَنا الباهتهْ"
"أتيناكَ, نحن عبيدَ الزمانْ"
"وأسرَاه نحن الذينَ عيونُهُم لا تموتْ"
"أتينا نَجُرّ الهوانْ"
"ونسألُكَ الصفْحَ عن هذه الأعين المُذْنبهْ"
"ترسّبَ في عُمْق أعماقها كلُّ حزْنِ السنينْ"
"وصوتُ ضمائرِنا المُتعَبَهْ"
"أجشٌّ رهيبُ الرّنينْ"
"أتيناكَ يا من يذُرّ السُّهادْ"
"على أعينِ المُذْنبينْ"
"على أعينِ الهاربينْ"
"إلى أمسِهِم ليلوذوا هناك بتلّ رمَادْ"
"من الغَدِ ذي الأعين الخُضرِ. يا من نراهْ"
"صباحَ مساءَ يسوقُ الزمانْ"
"يحدّق, عيناه لا تغفوان"
"وكفَّاه مَطْويّتانْ"
"على ألفِ سرٍّ. أتينا نُمرِّغ هذي الجباهْ"
"على أرض معبدِهِ في خُشُوعْ"
"نُناديهِ, دونَ دموعْ,"
"ونصرخ: آهْ!"
"تعِبْنا فدعْنا ننامْ"
"فلا نسْمع الصوتَ يَهْتف فينا: "صلاهْ!"
"إذا دقَّتِ الساعة الثانيهْ,"
"ولا يطرق الحَرَس الكالحونْ"
"على كل باب بأيديهم الباليه"
"وقد أكلتْها القُرونْ"
"ولم تُبْق منها سوى كومة من عظامْ"
"تعبنا... فدعنا ننامْ.."
"ننامُ, وننسى يد الرجل العنكبوتْ"
"على ساحة البرج. تنثُرُ فوق البيوتْ"
"تعاويذَ لعنتها الحاقدهْ"
"حنانك بوذا, على الأعينِ الساهدهْ"
"ودعها أخيرًا تموتْ"
**
وفي المعبد البرهمي الكبيرْ
تحرّكَ بوذا المثيرْ
ومدّ ذراعيه للشبحَيْنْ
يُبارك رأسيْهما المُتْعَبيْنْ
ويصرخُ بالحَرَس الأشقياءْ
وبالرَّجُلِ المنتصبْ
على البرْج في كبرياءْ,
"أعيدوهما!"
ثم لفَّ السكونُ المكانْ
ولم يبقَ إلا المساءْ,
وبوذا, ووجه الزمانْ
................................noon
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
noon
مشرف عام
noon


ذكر
عدد الرسائل : 608
تاريخ التسجيل : 02/11/2007

من روائع نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع نازك الملائكة   من روائع نازك الملائكة Icon_minitime4/1/2008, 1:09 am

الغروب
-----------------------------------
هبط الليل وما زال مكاني
عند شطّ النهر , في الصمت العميق
شردت روحي,وغابت عن عياني
صور الحاضر والماضي السحيق
وامحي في خاطري ذكر الزمان
وتلاشت ذكر الدهر المحيق
ليس إلا الحزن يمشي في كياني
وأنا في ظلمة الليل الصديق
غرق الضوء وراء الأفق
وخلا العالم من لون الضياء
ليس إلا رمق من الشفق
حائل قد كان يمحوه الفناء
وأنا تمثال حزن محرق
وشقاء مطبق فوق شقاء
أرمق الأفق بطرف مغرق
تائه يطوى دياجير الفضاء
أيّ معنى هاج في نفسي الغروب؟
أجفلت في جسدي منه الحياة
وسرى في مسمعي همس غريب
كلّه هول ورعب وشكاة
واعتراني خاطر مشج رهيب
وتجلّى لخيالاتي الممات
ها أنا وحدي تناجيني غمومي
وكآباتي وأشباح الفناء
كلّ ما حولي مثير للوجوم
مصرع الشمس وأحزان المساء
عبثا أطرد عن نفسي همومي
عبثا أرجو شعاعا من رجاء
غرقت أحلام قلبي في الغيوم
وتلاشت مثل أحلام الضياء
أقفر العالم حولي لا نشيد
من صبي أو هتاف أو حفيف
أنا والأمواج واليأس الشديد
وانحدار الشطّ والظلّ الوريف
وحواليّ ظلام وركود
ألقيا الحزن على حسّي الرهيف
من بعيد أبصر الراعي الحزين
يرجع الأغنام في صمت الغروب
مطرقا أتعبه ركب السنين
فقضاها في نحول وشحوب
هو والأغنام حزن وسكون
وخطى في مسمع الليل الرهيب
وأنا أرمقهم غرقى الجفون
تحت أحلام شبابي وكروبي
وبعيدا في الفضاء المدلهمّ
خفقة من جنح طير عابر
فاجأته ظلمة الليل الملمّ
وجبال من سحاب ماطر
فسرى بين دياجير وغيم
كخيال في فؤاد الشاعر
لحظة , ثم تواى في الخضمّ
بين أمواج الظلام الغامر
آه ما أرهبه الآن سكونا
لا أعي فيه سوى دّقات قلبي
صمت الكون ونام المتعبونا
وهو ما زال صدى حزن وحبّ
نظراتي لم تزل حلما حزينا
وخيالات مسائي لم تعد بي
طفقت تصعد بي أفق السنينا
وترود الكون من شرق لغرب
ونباح الكلب في الحقل البعيد
رفّ في سمعي ضئيلا مجهدا
موحشا في ظلمة الليل الوليد
غامض الوقع , غريبا كالصدى
ذا فؤاد مرهف الحسّ شريد
دفن الأمس ولم يرج الغدا
ومياه النهر تجري في شحوب
تحت أكداس الغيوم الجاثمات
وصدى طاحونة القمح الغريب
يكئب النفس بأشجى النغمات
هكذا مرّ على روحي الغريب
غامض الظلّ حزين الخطوات
فوداعا أيّها الجرف الكئيب
ووداعا يا غمار الظلمات
عودة الغريب
-----------------------------------
قلبي الذابل الحزين الذي ما
ت وذابت أفراحه ومناه
قلبي الشارد المعذّب بالأح
لام ما بين دمعه وأساه
ماله الآن خافقا بندى الحب
يغنّي تحت النجوم هواه
ويصوغ المنى ويرجع للشا
طىء جذلان مرسلا نجواه
***
في غمار الماضي دفنت دموعي
وتبسّمت للغد الممراح
ظمأي لم يعد يعذّب روحي
وشرودي تحت الدجى والرّياح
ذهب البحر لم يعد ماؤه المل
ح يدوّي على مسيل جراحي
ها أنا عند منبع شاعريّ ال
سماء صاف هامت به أقداحي
***
ها أنا الآن زورق حالم المج
داف يرسو على رمال الضفاف
قلبي الشاعري ملاّحه البا
سم يشدو سرّ الوجود الخافي
شدّ ما عذّبت أغانيه الغر
بة واشتاق فتنة الصفصاف
أبدا في عرض المياه ينادي ال
بحر يا بحر طال فيك طوافي
***
أيّها الطائف الغريب لقد عد
ت وهذي مفاتن الآجام
هي ذي الضّفة الحبيبة يا ملا
ح هذي شواهق الآكام
إنها جّنة الحياة تلاقت
عندها الذكريات بالأحلام
فاهبط الآن وانس أشباحك السّو
د وذكرى الماضي الحزين الدامي
***
يا غريب الأحلام إمسح بقايا الأ
مس والذكريات والأحزان
أصبح الأمس صرخة في حمى الما
ضي طوتها ستائر النسيان
كا أحزانه العميقات عادت
لفظة ضمّها سكون الزمان
أطفأتها الأيام فهي ظلام
ولهيب خاب وطيف فان
***
لا تثره دعه ينم أبد الده
ر وعش أنت ضاحك الأهواء
أيّها المّيت الذي نبضت في
ه معاني الحياة بعد الفناء
أيّها الظاميء الذي أبصر النب
ع قريبا بعد الصدى والشقاء
إملأ الكأس آن للظمأ المح
رق أن يرتوي بشهد الرجاء
***
ذلك المارد الحقير ثوى في
ظلمات الأمس البعيد وغارا
لن تراه الأمواج في البحر بعد الآ
ن لن يملأ النجوم احتقارا
لن يحيل الأحلام فيك دموعا ويعيد االأنغام هولا ونارا
إنه الآن مغرق في حمى المو
ج فلا تخشحقده الجبارا
***
والحياة التي تلّقتك بالزه
ر ترنّم بها تلالا وعشبا
هب لها يا ملاحقلبا من النو
روروحا كالشعر والحبّ عذبا
هب لها ما ملكت شوقا وأشعا
را وعش للجمال روحا وقلبا
صغ لها البحر كّله في نشيد
أرضعته النجوم ضوءا وحبا
***
عاد ذاك الغريب يا معبد الحبّ
فمد الجناح فوق أساه
إن يكن ضلّ قلبه أمس في البح
ر فقد كفّرت دموع صباه
علّمته عواصف الليل حبّ ال
فجر فلتلمح السّنا عيناه
ولتضع في الماضي البعيد المجاذي
ف وتلك الرياح والأمواه
***
أنسه حبّه الذي مات وامنح
قلبه الشاعري حلما جديدا
حسبه ما أشقيته أمس بالذك
رى فهبه الحياة ظلاّ رغيدا
بمعانيك قرّب النجم والسّح
ب لعينيه والصّبا والخلودا
يا شباب الحياة يا فرحة الدن
يا ويا باب نبلها المفقودا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
noon
مشرف عام
noon


ذكر
عدد الرسائل : 608
تاريخ التسجيل : 02/11/2007

من روائع نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع نازك الملائكة   من روائع نازك الملائكة Icon_minitime18/1/2008, 6:08 pm

سياط وأصداء
-----------------------------------
"كان على أرض الشارع المبللة جسد حصان , وكانت السياط ترتفع ثم تهوي فلا تسقط إلا على جرح"
- - -
ما زلت أذكر كلّ شىء من صباحي الضائع
الراقد الدامي المجرّح فوق أرض الشارع
وصدى السياط المرهقات على الجبين الضارع
يا ثورة الإحساس في نفسي علام تمزقّي
ألمي على الجسد الممزّق بعض ضعفي الأحمق
وغدا سأدفن ما تبقّى من حناني المرهق
يا ليتني عمياء لا أدري بما تجني الشرور
صّماء لا أصغي إلى وقع السياط على الظهور
يا ليت قلبي كان صخرا لا يعذّبه الشعور
يا ليتني , ماذا تفيدك , يا حياتي , ليتني؟
أحلامك النضرات باتت في قنوط محزن
لن يسمع القدر المدّمر فاصرخي أو أذعني
يا نار عاطفتي الرقيقة , يا غريبة في البشر
وقع السياط على الظهور أشدّ من وقع القدر
والحسّ في هذا الوجود جريمة لا تغتفر
لن تقتلي الشيطان في الإنسان أو تحيي الملاك
وغدا ستطويك الليالي في دياجير الهلاك
وغدا سيأسرك التراب فلا شعور ولا حراك
ما كان أثقل عبء أحلامي وآلامي وأقسى !
فامشي بنا نحو الفناء لعلّنا ننسى وننسى
وليسدل الستر المقدّس ,حسبنا غّما ويأسا
دكان القرائين الصغيرة
-----------------------------------
في ضباب الحُلْم طوّفتُ مع السارين في سوق عتيقِ
غارق في عطر ماء الورد, وامتدّ طريقي
وسّع الحُلْم عيوني, رش سُكْرًا في عروقي
ثملت روحي بأشذاء التوابلْ
وصناديق العقيقِ
وبألوان السجاجيد,
بعطر الهيل والحنّاء,
بالآنية الغَرْقى الغلائلْ
سرقت روحي المرايا, واستداراتْ المكاحلْ
كنتُ نَشْوى, في ازرقاق الحُلْم أمشي وأسائلْ
أين دكّان القرائين الصغيرهْ
أشتري من عنده في الحلم قرآنًا جميلاً لحبيبي
يقتنيه لحن حبٍّ,
قَمرًا في ليلةٍ ظلماء,
خبزًا وخميرهْ
عندما في الغد يَرْحَلْ
من مطار الأمس والذكرى حبيبي
يتوارى وجهه خلف التواءات الدروبِ
**
سرتُ في السوق,
إذا مرّ بقربي عابرٌ ما,
أتمهّل
ثم أسألْ:
سيّدي في أي دكّان ترى ألقى القرائين الصغيرهْ
أيّ قرآن, سواءٌ أحواشيه حروف ذهبيّهْ
أم نقوش فارسيّهْ
أي قرآن?..... وفي حلمي يقول العابرُ
لحظة يا أختُ, قرآنكِ في آخر هذا المنحنى, في (مندلي)
اسألي عن (مندلي)
فهو دكان القرائين الصغيرهْ
ويغيب العابرُ...
وجهه في الحُلْم لونٌ فاترُ...
ثم أمضى في الكرى باحثةً عن (مندلي)
حيث أبتاعُ بما أملك قرآنًا وأهديه حبيبي
حينما يرحلُ عني في غدٍ وجه حبيبي
وتغطيه المسافاتُ وأبعاد الدروبِ
حيث أبتاع من الدكان قرآنًا صغيرًا لحبيبي
ثم أهديه له عند الوداعْ
ليخبّي ضوءه في صدره بُرْعَم طيبِ
وليؤويه إليه حرز حبي
وعصافيري المشوقاتِ,
وتلويح ذراعي
واختلاجاتِ شراعي
**
سرتُ في حلميَ في السوق قريرهْ
أسرتْ روحي السجاجيدُ الوثيرهْ
وأواني عطرِ ماء الورد, والكعبةُ صورهْ
نعستْ ألوانها في حضن حانوتٍ,
وفي حلمي مضيتُ
في دمي شوقٌ لدكان القرائين الصغيرهْ
وحلمتُ
وحلمتُ
بقرائينَ كثيراتٍ, وأختارُ أنا منها, وأهدي لحبيبي
في صباح الغد قرآنًا, ويؤويه حبيبي
صدرَهُ تعويذةً تدرأ عنه الليلَ والسَّعْلاة في أسْفَارِهِ
تزرع اسم الله في رحلته, تسقيه من أسرارِه
**
كان كلّ الناس لي يبتسمون
وعلى لهفة أشواق سؤالي ينحنونْ
زرعوا حلمي ورودا
وسّعوا السوقَ زوايا وحدودا
كلهم كانوا يشيرون إلى بعض مكانٍ غامض إذ يعبرونْ
يهمسون:
اسألي عن (مندلي)
ابحثي عن (مندلي)
دكّة في آخر السوق وتُلْفين القرائين الصغيرهْ
أطعموا قلبيَ من نكهة كُتْبٍ عنبريّاتِ كثيرهْ
بينها ألقى عصافيري القرائين الصغيرهْ
حيث أختارُ وأهدي لحبيبي
واحدًا يحميه من ليل الدروبِ
ووشايات المغيبِ
واحدًا يحمله في الطائرهْ
باقةً من زنبق الله, وسُحْبًا ماطرهْ
**
سرتُ طول الليل في حلمي, ولكن أين ألقى (مندلي)?
شَعَّب السوق حناياه,
ترامَى,
وتَمدّدْ
صار عشرين, دوربًا وزوايا
وفروعًا وخبايا
وتعدّدْ
وتعدّدْ
حيرتي أبصرتها طالعة من قعر آلاف المرايا
قذفتني الامتداداتُ ومصتني الحنايا
وأنا أشرب كوبًا فارغًا, والسوق مُجْهَدْ
تحت خطوي, ودمي يلهث شوقًا
وأنا أعطش في أرض الرؤى, أذرعها غربًا وشرقًا
لستُ أُسْقى, لست أُسْقَى
ضاع مني (مندلي)
ضاعَ, لا القرآنُ, لا الأشذاء لي
ما الذي بعد عطوري, وقرائيني تَبَقَّى
**
مرَّ بي في سوق حلمي ألفُ عابرْ
كلهم قالوا: - وراء المنحنى التاسع يحيا (مندلي)
حيث قرآني وعطري المتناثر
حيث أَلْقَى (مندلي)
(مندلي) يا أنهرا من عَسَلِ
يا ندًى منتثرًا فوق بيادرْ
يا شظايا قمر مغتسلِ
في دموعي,
يا أزاهيرُ من الياقوت نامت في غدائرْ
يا هتافاتِ أذان الفجر من فوق منائر
(مندلي) يا (مندلي)
اسمه فوق الشفاهْ
فلّة غامضة اللون,
وشمعٌ,
وتراتيلُ صلاهْ
وزروع ومياهْ
وأنا مأخوذة الأشواق أدعوه ولكن لا أراهْ
وأنا من دون قرآن حبيبي
ومع الفجر سيرحَلْ
في انبلاج الغَسَق القاني حبيبي
وشفاهي صلواتٌ تترسَّل
وعناقيد دموع تتهدّلْ
انبثق يا عطش السوق انبثق يا (مندلي)
يا قرائين حبيبي
يا ارتعاش السنبلِ
في حقول الحلم من ليلى العصيبِ
**
أين مني (مندلي)? والبائع المصروع من عطر القرائينْ?
ذاهلاً مستغرقًا في حُلُمِ?
ضائعًا هيمان مأخوذًا بأفق مبهمِ
يتشاجى, وجدُهُ سُكْرٌ وتلوينْ
صاعدًا من ولهٍ في عالم من عنبر مضطرمِ
تائهًا من شوقه عَبْرَ بساتينْ
عطشات النخل, والقرآن في تمُّوزها أمطار تشرينْ
(مندلي) يا ظمأى يا جرح سكّينْ
في خدود وشرايينْ
**
وطريقي نحو دكان القرائين الصغيرهْ
فيه أوراد لها عطر عجيبُ
كل من ذاق شذاها تائهٌ,
منسرق الروح,
شريدٌ
لا يؤوبُ
مندلي يا حقل نسرينْ
ذقتُ أسرارَكَ واستبعدتُ كوبي
لم أعد أعرف فجري من غروبي
وتواجدْتُ وضيّعتُ دروبي
وتشوقت لقرآنٍ, على رفّكَ غافٍ,
أشتريه لحبيبي
**
وسمعتُ العابرينْ
يصفون المخزن المنشود: تسري فيه أصداءْ
وتلاوين, وموسيقى وأضواءْ
تصرع السامع صرعًا باختلاجاتِ حنينْ
وشموعٍ ودوالي ياسمينْ
آه لو أني وصلتُ
آه حتى لو تمزقْتُ,
تبعثرتُ,
اكتويتْ
لو تذوقتُ العطورَ السارباتِ
حول دكان القرائين الصغيرهْ
آه لو أمسكتُ في كفّي قرآنًا,
كدوريّ حنون القَسَماتِ
واحد من ألف قرآن حواليه ضبابٌ,
وشذى وردٍ,
وموسيقى مثيرهْ
ليس يقوَى قَطُّ إنسانٌ بأن يصغي إليها
يسقط الصاحي صريعًا, غير واعٍ, ضائعًا في شاطئيها
آه لو أني أطبقتُ عليه شفتَيّا
هو قرآنُ حبيبي
آه لو لامستُ رياهُ بأطراف يديّا
هو وِرْدى, وامتلائي, ونضوبي
والنشيد المحرق المخبوء في قعر دمي, في مقلتيّا
**
وانتهى السوقُ وفي حلمي يَئستُ
وعلى دكّة آمالي الطعينات جلستُ
وانتحبتُ
لم يَعُدْ في السوق من ركن قصيِّ
لم أقلّبْهُ... وتاهتْ (مندلي)...
غرقَتْ في عمق بحر من ضبابٍ سندسيِّ
واختفت في ظل غابات سكونٍ أبديِّ
لم يدع يأسيَ حتى سحبة القوس على الأوتار لي
ضاع حتى الظلّ مني, وتبقّتْ لي روًى من طَللِ
أين أبوابكِ يا ترتيلتي,
يا (مندلي)
يا عطور الهَيْل والقرآنِ يا وجه نبيِّ
يا شراعًا أبيضًا تحت مساء عنبيِّ
**
وإذن ماذا سأهدي لحبيبي
في غد حينَ يسافر?
فرغتْ كفّي من القرآنِ غاضتْ في صَحَارايَ المعاصِر
وخوى خدّايَ إلاّ من غلالات شحوبي
وحبيبي سيغادرْ
دون قرآنٍ, هديّه...
غضة تلمس خدّيهِ كما يلمس عصفورٌ مُهَاجرْ
جبهة الأفق برشّات غناءٍ عسليّهْ
وحبيبي سيسافر
خاوى الكف من القرآن, من عطر البيادرْ
وحكايات المنائر
وأنا أبقى شجيه
كظهيرات من الحزن عرايا غيهبيّهْ
ضاع قرآني, وضاعت (مندلي)
واختفى وجهُ حبيبي
خلف غيم مُسْدَلِ
وامتدادات سهوبٍ وسهوبِ
فوداعًا يا قرائيني, وداعًا (مندلي)
وإلى أن نتلاقى يا حبيبي
وإلى أن نتلاقى يا حبيبي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
noon
مشرف عام
noon


ذكر
عدد الرسائل : 608
تاريخ التسجيل : 02/11/2007

من روائع نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع نازك الملائكة   من روائع نازك الملائكة Icon_minitime21/1/2008, 1:11 am

جامعة الظلال
-----------------------------------
أخيرًا لمستُ الحياهْ
وأدركتُ ما هي أيُّ فراغٍ ثَقيلْ
أخيرًا تبيّنتُ سرَّ الفقاقيعِ واخيبتاهْ
وأدركتُ أني أضعتُ زمانًا طويلْ
ألُمُّ الظلالَ وأخبِطُ في عَتْمة المستحيلْ
ألمُّ الظلالَ ولا شيءَ غير الظِلالْ
ومرَّتْ عليَّ الليالْ
وها أنا أُدْركُ أني لمستُ الحياهْ
وإن كنت أصرُخُ واخيبتاهْ!
ومرَّ عليَّ زمانٌ بطيءُ العُبورْ
دقائقُهُ تتمطّى مَلالاً كأنَّ العُصورْ
هنالكَ تغفو وتنسى مواكبُها أن تدورْ
زمانٌ شديدُ السواد, ولونُ النجومْ
يذكّرُني بعيونِ الذئابْ
وضوءٌ صغيرٌ يلوحُ وراءَ الغُيومْ
عرفتُ به في النهايةِ لونَ السَّرابْ
ووهمَ الحياهْ
فواخيبتاهْ
أهذا إذن هو ما لقّبوهُ الحياهْ?
خُطوطٌ نظَلُّ نخطِّطُها فوقَ وجهِ المياهْ?
وأصداءُ أغنيةٍ فظّةٍ لا تَمَسُّ الشِّفاهْ?
وهذا إذنْ هو سرُّ الوجودْ?
ليالٍ ممزّقةٌ لا تعودْ?
وآثارُ أقدامِنا في طريقِ الزمان الأصَمْ
تمرُّ عليها يدُ العاصفهْ
فتمسحُها دونما عاطفهْ
وتُسْلمُها للعَدَمْ
ونحنُ ضحايا هنا
تجوعُ وتعطشُ أرواحُنا الحائرهْ
ونحسَبُ أَن المنى
ستملأ يومًا مشاعرَنا العاصرهْ
ونجهلُ أَنَّا ندورْ
مع الوَهْم في حَلَقاتْ
نجزِّئُ أيامَنا الآفلاتْ
إلى ذكرياتْ
وننتظرُ الغَدَ خلفَ العُصورْ
ونجهلُ أَن القبور ْ
تمدُّ إلينا بأذرعِها الباردهْ
ونجهلُ أَنّ الستائرَ تُخفي يدًا ماردهْ
**
عرفتُ الحياةَ, وضِقتُ بجمع الظلالْ
وأضجرَني أن نجوبَ التلالْ
نحدّقُ في حَسرةٍ خلفَ رَكبِ الليالْ
تسيرُ بنا القافلهْ
نجوسُ الشوارعَ في وَحْدةٍ قاتلهْ
إلامَ يُخادعُنا المبهَمُ?
وكيفَ النهايةُ? لا أحدٌ يعلم
**
سنبقى نسيرْ
وأبقى أنا في ذُهولي الغريرْ
ألُمُّ الظلالَ كما كنتُ دونَ اهتمامْ
عيونٌ ولا لونَ, لا شيءَ إلاَّ الظلامْ
شفاهٌ تُريدُ ولا شيءَ يَقرَبُ مما تريدْ
وأيدٍ تُريدُ احتضانَ الفضاءِ المديدْ
وقلبٌ يريدُ النجومْ
فيصفعُهُ في الدياجيرِ صوتُ القَدُومْ
يُهيلُ الترابَ على آخر الميّتينْ
وأقصوصةٌ من يَرَاع السنينْ
تضجُّ بسمعي فأصرخ: آه!
أخيرًا عرفتُ الحياهْ
فواخيبتاهْ!

خرافات
-----------------------------------
قالوا الحياة
هي لونُ عينَيْ ميّتِ
هي وقعُ خَطو القاتلِ المتلفّتِ
أيامُها المتجعداتْ
كالمعطفِ المسموم ينضَحُ بالمماتْ
أحلامُها بَسَماتُ سعْلاةٍ مخدِّرةِ العيونْ
ووراءَ بسمتِها المَنُونْ
قالوا الأملْ
هو حَسرةُ الظمآنِ حينَ يرى الكؤوسْ
في صورةٍ فوق الجدارْ
هو ذلكَ اللونُ العَبُوسْ
في وجه عُصْفورٍ تَحطّمَ عُشُّهُ فبكى وطارْ
وأقام ينتظرُ الصباحَ لعلَّ مُعجزةً تُعيدْ
أنقاضَ مأواهُ المخرَّبِ من جديدْ
قالوا النعيمْ
وبحثتُ عنه في العيونِ الغائراتْ
في قصّةِ البؤسِ التي كُتبتْ على بعض الوجوهْ
في الدهْرِ تأكلُهُ سنوهْ
في الزهرِ يرصُدُ عِطرَهُ شَبحُ الذبولْ
في نجمةٍ حسناءَ يرصُدُها الأفولْ
قالوا النعيمُ ولم أجدْهُ فهل طَوى غدَهُ وماتْ?
قالوا السكونْ
أسطورةٌ حمقاءُ جاء بها جَمَادْ
يُصغي بأذنيه ويتركُ روحَه تحت الرَّمادْ
لم يسمعِ الصَّرَخاتِ يُرْسلُها السياجْ,
وقصائصُ الورقِ الممزَّق في الخرائبِ, والغبارْ, ومقاعدُ الغُرَفِ القديمة, والزُّجَاجْ,
غطّاهُ نَسْجُ العنكبوت, ومعطفٌ فوق الجدارْ
قالوا الشباب
وسألتُ عنه فحدثوني عن سنينْ
تأتي فينقشعُ الضَّبَابْ
وتحدثوا عن جنّةٍ خلف السَّرَابْ
وتحدثوا عن واحةٍ للمتعَبينْ
وبلغتُها فوجدتُ أحلامَ الغَدِ
مصلوبةً عند الرِّتاج الموصَدِ
قالوا الخلودْ
ووجدتُهُ ظلا تمطَّى في بُرُودْ
فوق المدافنِ حيثُ تنكمشُ الحياهْ
ووجدتُهُ لفظًا على بعض الشفاهْ
غنّته وهي تنوحُ ماضيها وتُنزلُهُ اللحودْ
غنّتْهُ وهي تموتُ... يا لَلازدراء!
قالوا الخلودُ, ولم أجدْ إلاَّ الفناءْ
قالوا القلوبْ
ووجدتُ أبوابًا تؤدي في اختناقْ
لمقابرٍ دُفِن الشعورُ بها وماتَ غدُ الخيالْ
جُدرانُها اللزِجاتُ تبتلعُ الجَمَالْ
وتمجُّ قبحًا لا يُطاقْ
وهربتُ شاحبةً أتلك إذنْ قلوبْ?
يا خيبةَ الأحلامِ. إني لن أؤوبْ
قالوا العيونْ
ووجدتُ أجفانًا وليس لها بَصَرْ
وعَرَفْتُ أهدابًا شُدِدْن إلى حَجَرْ
وخبرتُ أقباءً ملفّعةً بأستار الظنونْ
عمياءَ عن غير الشُّرور وإن تكن تُدعى عيونْ
وعرفتُ آلافًا وأعينُهم صفائحُ من زجاجْ
زرقاءُ في لون السماء, وخلف زرقتها دَياجْ
قالوا وقالوا
ألفاظُهم لاكت تَرَدُّدَها الرياحْ
في عالم أصواتُهُ الجوفاءُ يرصُدُها الفناءْ
المتعبونَ بلا ارتياحْ
الضائعونَ بلا انتهاءْ
قالوا وقلتُ وليس يبقى ما يُقالْ
يا لَلخرافةِ! يا لَسُخريةِ الخيالْ!

أنشودة السلام
-----------------------------------
أيها السادرونَ في ظلمة الأر ض كفاكم شقاوةً وذهولا
احملوا نادمينَ أشلاء موتا كم ونوحوا على القبور طويلا
ضمّخوها بالعطر لفّوا بقايا ها بزَهْر الكنارِ والياسمينِ
واهتفوا حولها بأنشودة السلــمِ ليهنا في القبر كلُّ حزينِ
اجمعوا الصبية الصغار ليشدوا بلحون الصفاء والابتسامِ
أنقذوا الميّتين من ضجّة الحر بِ ليستشعروا جمال السلامِ
فيم هذا الصراع يا أيها الأحــياءُ? فيم القتالُ? فيم الدماءُ?
فيمَ راح الشُبّانُ في زَهْرة العُمْـــرِ ضحايا وفيمَ هذا العِداءُ?
أهْو حبُّ الثراءِ? يا عَجَبَ القلـــبِ! وما قيمة الثراء الفاني?
في غدٍ رحلةٌ فهل يدفع الأمــــواتُ بالمالِ وحشةَ الأكفانِ?
كل حيّ غدًا إلى القبر مَغْدَا هُ فهل ثَمَّ في المماتِ ثراءُ?
افتحوا هذه القبورَ وهاتوا حدِّثونا أينَ الغِنَى والرخاءُ?
انظروا ها هنا على الشوكِ والرَمْــــلِ ثوى الأغنياءُ والمُعْدمونا
أيُّ فَرْقٍ ترى وهل غيرُ صمتِ الــموتِ فوق القبور والراقدينا?
عجبًا ما الذي إذن ساق هذا الــكون للموتِ والأذى والدَّمَارِ?!
فيم تحدو الشُعوبَ أطماعُ غرٍّ يتصبَّى عينيهِ وهْجُ النار ِ?
نشوةُ النَّصْرِ? يا لسُخْرية الألــفاظِ! يا لَلأَوهامِ يا لَلضَّلالِ!
أيها الواهمونَ حسبكمو وهْــمًا وهبُّوا من الكَرَى والخيالِ
نحن أَسْرَى يقودنا القَدَرُ الأعــمى إلى ليل عالمٍ مجهولِ
ليس منا من يستطيع فكاكًا ليس منا غير الأسيرِ الذليلِ
أبدًا تأمرُ الليالي ونمشي ليس يُجْدي تضرّعٌ أو بكاءُ
ليس يخشى المماتُ صولةَ جبّا رٍ وما يستثيرُهُ الضُّعَفاءُ
هكذا الموتُ غالبٌ أَبَدَ الدهْــر ونحن الصَّرْعَى الضعافُ الحيارَى
وله النصْرُ والفخارُ علينا فاندبوا ما دعوتموهُ انتصارا
أيّها العالمُ المخرَّبُ قد أســفَرَتِ الحربُ عن غلابِ المنايا
شهدتْ هذهِ القبورُ لها بالنــصْرِ يا رحمتا لتلك الضحايا
ثم ماذا يا ساكني العالم المحـــزونِ? ماذا من القتال جنيتُمْ?
وهل وصلتم إلى النجوم البعيدا تِ وهل مِن كفّ العذابِ نجوتم?
هل تغلَّبتُمُ على الفقر والأحــــزانِ والسُّقْمِ أيّها الواهمونا
أنجوتم من المآثمِ أم لم يَزَلِ العيشُ فتنةً ومُجُونا
أسفًا لم تزل كما كانت الأنــفُسُ تحيا في إثمها الأبديِّ
لم تزل خمرةُ الضلال رجاء الآدميينَ في الوجود الشقيِّ
لم تزل في الوجود أغنيةُ الحز نِ يغنّي بها الضعاف الجياعُ
لم يزل في الوجود مرضى حَيَارَى أبدًا تعتريهمُ الأوجاعُ
كل شيء باقٍ كما كان قبل الــحربِ غير الأيتام والأمواتِ
غير ظلّ من الكآبة والحَيْـــرةِ يمشي على ضفاف الحياةِ
هؤلاء الأيتامُ بالأمس كانوا صورةَ البِشْر والمراحِ الجميلِ
تحت ظلّ الآباء يقضون عيشًا ما دَرَوْا غير صَفْوِهِ المعسول
وأفاقوا من حلمهم فإذا الأقـــدارُ حربٌ والكونُ قتلٌ ونارُ
يا عيونَ الأطفال لا تسألي الدنــيا علام اللَّظَى? وفيم الدمارُ?
في سبيل المجدِ المزيّفِ هذا الــهولُ لا كان مجدُهم لا كانا
في سبيل النَّصْرِ المموّه عاد الــعالم الحلو في اللهيبِ دخانا
هؤلاء الصَّرْعَى على الصخْر والشو كِ شبابًا وفتيةً وكهولا
كيف كانوا بالأمسِ آيةَ رؤيا رَسَموها فلم تَهِشَّ طويلا?
أيّها الأشقياءُ في الأرض يا من لم تُمتْهم قذائفُ النيرانِ
عبثًا تأملون أن يرجع الآ نَ أعزَّاؤكم إلى الأوطانِ
انظروا ها هم الجنودُ يعودو نَ فُرَادَى مهشّمي الأعضاءِ
آهِ لولا بقيةٌ من حياةٍ لم يُعَدّوا في جملةِ الأحياءِ
عبثًا يبحثون في هذه الأنــقاضِ عن أهلهم وعن مأواهم
عبثًا يسألون ما يعلم العا برُ شيئًا فيا لنارِ أساهم
كيف ذاقوا مرارة الخيبة السَّوْ داءِ بعد الآلامِ والأدواءِ
هل نَجَوْا من براثن الموت والأســـر لكي يسقطوا أَسَارَى الشقاءِ?
أيّها الأشقياءُ يا زُمَر الأحــياءِ في كلّ قريةٍ وصعيدِ
آنَ أن نستعيدَ ماضيَ حُبٍّ هو مفتاحُ حُلْمنا المفقودِ
ما الذي بيننا من البغض? ماذا كان سرُّ القتالِ والأَحقادِ?
أيّها الناقمون نحن جميعًا شَرَعٌ في أيدي الخطوب الشدادِ
نحن نحيا في عالم ليس يُدْرَى سرُّه فهو غيهبٌ مجهولُ
تطلعُ الشمسُ كل يومٍ فما كُنْـــهُ سناها? وفيم كان الأفولُ?
ما الذي يُطْلعُ النجومَ على الكو نِ مساءً? ما كنْهُ هذا الوجودِ?
أيُّ شيءٍ هذا الفضاءُ? وما سر دُجَاهُ? هل خلفَهُ من حُدودِ?
نحن هل نحن في الوجود سوى الجهـــلِ مصُوغًا في صورة الإنسانِ?
كلُّ ما في الأكوانِ يحكمنا ما ذا إذنْ سرُّ ذلك الطُغيانِ?
فيم نطغى? وكيف ننسَى قوى الكو نِ وما في الوجود أضعف منّا
ينخَرُ الدودُ ما نَشِيدُ ولا تُبْــقي البراكينُ والرياحُ علينا
فيم نقضي حياتنا في العداواتِ ونُمْضي السنينَ يأسًا وحزنا?
كيف ننسَى أَنّا نعيشُ حياة الـــوردِ سرعان ما يموتُ ويَفْنى
لن تدومَ الأَيّامُ لن يحفَظَ الدهـــــرُ كيانًا لكائنٍ بَشَريِّ
فلنَدَعْ هذه الضغائنَ والأحــقادَ ولنَحْيَ في الودادِ النقيِّ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
noon
مشرف عام
noon


ذكر
عدد الرسائل : 608
تاريخ التسجيل : 02/11/2007

من روائع نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع نازك الملائكة   من روائع نازك الملائكة Icon_minitime21/1/2008, 1:13 am

مأساة الحياة
-----------------------------------
عبثًا تَحْلُمينَ شاعرتي ما
من صباحٍ لليلِ هذا الوجود
عبثًا تسألين لن يُكْشف السرُّ
ولن تَنْعمي بفكِّ القيودِ
****
في ظلال الصَّفْصافِ قَضَّيتِ ساعا
تِكِ حَيْرى تُمضُّك الأسرارُ
تسألين الظلالَ والظلُّ لا يعــلَمُ شيئًا وتعلمُ الأقدارُ
****
****
أبدًا تنظرين للأُفق المجــهول حيرى فهل تجلّى الخفيُّ?
أبدًا تسألين والقَدَرُ السا
خرُ صمتٌ مُسْتغلِقٌ أبديُّ
فيمَ لا تيأسينَ? ما أدركَ الأســــرارَ قلبٌ من قبلُ كي تدركيها
أسفًا يا فتاةُ لن تفهمي الأيــــامَ فلتقنعي بأن تجهليها
اُتركي الزورق الكليل تسيِّرْ
هُ أكفُّ الأقدارِ كيف تشاءُ
ما الذي نلتِ من مصارعة المو
جِ? وهل نامَ عن مناكِ الشقاءُ?
آهِ يا من ضاعتْ حياتك في الأحــــلامِ ماذا جَنَيْتِ غير الملالِ?
لم يَزَلْ سرُّها دفينا فيا ضيــعةَ عُمْرٍ قضَّيتِهِ في السؤالِ
****
هُوَ سرُّ الحياة دقَّ على الأفــهامِ حتى ضاقت به الحكماءُ
فايأسي يا فتاةُ ما فُهمتْ من
قبلُ أسرارُها ففيم الرجاءُ?
****
جاء من قبلِ أن تجيئي إلى الدُّنْــيا ملايينُ ثم زالوا وبادوا
ليتَ شعري ماذا جَنَوْا من لياليــهمْ? وأينَ الأفراحُ والأعيادُ?
ليس منهم إلاَّ قبورٌ حزينا
تٌ أقيمت على ضفاف الحياةِ
رحلوا عن حِمَى الوجودِ ولاذوا
في سكونٍ بعالم الأمواتِ
****
كم أطافَ الليلُ الكئيب على الجو
وكم أذعنت له الأكوانُ
شهد الليلُ أنّه مثلما كا
نَ فأينَ الذينَ بالأمس كانوا?
****
كيف يا دهرُ تنطفي بين كفَّيــــكَ الأماني وتخمد الأحلامُ?
كيف تَذْوي القلوبُ وهي ضياءٌ
ويعيشُ الظلامُ وهْو ظلامُ

إلى ميسون
-----------------------------------
إن خَبَتْ أعينُ النجومْ
وسجَتْ بَسْمةُ القمرْ
واختفتْ خُضْرةُ الكروم
وذوى الوردُ وانتثرْ
كنتِ لي أنتِ كوكبًا مُخْمَليّ الــلمسِ ينثالُ نبْعَ عطْرٍ وضوءِ
كان لي من بريقِ عينيكِ لونُ الــقَمَرِ اللَّدْنِ في ليالي الدِّفْءِ
كان وحْيي حكايةً منكِ فيها
من شَذى الورد ألفُ شيءٍ وشيء
كنتِ لي أنتِ يا بنفسجتي فجـــرَ جَمَالٍ مُطَلْسَمٍ غيرِ مَرْئي
وإذا أطفأ الزَّمَانْ
كلّ حبٍّ حملتُهُ
وَطَوتْ ظُلمة المكانْ
كلّ ضوءٍ شربتُهُ
كان لي من صفاءِ وجهكِ بَدْءٌ
لأغاني حُبٍّ وحبٍّ وحُبّ
ومن الكوكبينِ عَيْنَيْكِ تنشقُّ
لعمري آثارُ ألْفَيْ دَرْبِ
من بريقِ الجبينِ من مَلْمَس الخدّ
الحريريّ من سَوَادِ الهُدْبِ
معبَرٌ للجَمالِ من شاطئِ المجــهولِ يُرْسي ائتلاقُهُ عند قَلْبي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
noon
مشرف عام
noon


ذكر
عدد الرسائل : 608
تاريخ التسجيل : 02/11/2007

من روائع نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع نازك الملائكة   من روائع نازك الملائكة Icon_minitime23/1/2008, 3:22 pm

مدينة الحب
----------------------
في عمق صحراء الحياة,هناك فوق لظى الرمال
حيث الرياح الداويات,مدينة بين التلال
في قلبها نهر تحيط به المفاوز والصخور
وشواطىء لا ظلّ فيها,لا خمائل,لا عطور
الماء يبدو وادعا ووراءه الألم العميق
أمواجه السمّ الزعاف وإن بدا حلو البريق
كم زورق خدعته جنيّاته ورسومه
كم حالم أودت به أمواجه وسمومه
والشاطىء الثاني يلوّح بالجمال وبالفتون
حتى إذا قاربته أبصرت إعصار المنون
لا شىء غير الشوك والأشلاء فوق صخوره
لا صوت يسمع غير ضجّة دوده ونسوره
الليل فيه مخاوف ووساوس لا تخمد
أبدا يزلزله صراخ غامض وتنّهد
يا طارق الباب المروّع عد ولا تهبط هنا
هذا الجمال سيستحيل دما وماء آسنا
هذي الشواطىء , كلّ ما فيها أسى وتحسّر
فحذار منها فالسموم معدّة والخنجر
عيناك لا تسكب بريقهما في ظلماتها
وصباك لا تدفن مناه في شقاء حياتها
وفؤادك الخفّاق صنه من قذى آثامها
ماذا رأيت من الحياة لتحتمي بظلامها؟
عد , عد إلى لهب الصحاري وانج من حمم المدينه
لا تلق قلبك في اللظى وأصخ لشاعرة حزينه
أشواق وأحزان
------------------------
أين منّي حرارة الأمس والحا
ضر يمشي بين الأسى والخمود؟
أسفا للماضي الإلهيّ هل ما
تت أغانيه في فؤادي الوحيد؟
آه يا شاعري لماذا تهاوي
ت بعيدا وراء أمسي البعيد؟
وأنا لم أزل صلاة لعيني
ك وإعصار لهفة وشرود
***
آه هل غاب عن ظلام حياتي
كلّ ما كان لهفة وفتونا ؟
كيف ضاع الحبّ الإلهيّ يا طا
ئري الحرّ فانفجرت ظنونا ؟
وأنا لم أزل فؤادا على الشو
ق يداري غرامه المدفونا
ليتني كنت بحت يا حلم الرو
ح وأعلنت حبّي المكنونا
***
كيف مرّت أيّامنا كيف مرت
بين فكّ الأشواق والأحزان ؟
ملء قلبي وقلبك الحبّ والشّو
ق ولكن نلوذ بالكتمان
كّلما حدّثتك عيناي بالحب
أعاقب عينيّ بالحرمان
كيف يا شاعري كتمنا ولم يع
ص كيوبيد قبلنا عاشقان ؟
***
كيف ضاعت عواطفي ؟ كيف أنسوا
ك غرامي وحيرتي ووفائي؟
ملأوا قلبك النبيل أباطي
ل وصاغوا كواذب الأنباء
وقضيت الأيّام أذرف إحسا
سي دموعا وأستلذّ شقائي
لا لقاء غير الظنون ولا فر
حة غير الخيال والأصداء
***
أنت أنت الذي احتفظت بذكرا
ه فلم ينسها فؤادي الوفيّ
كيف غابت عن ذكرياتك أحلا
مي وشوقي وحبّي الروحيّ
شهد العود كيف علّمته حب
ك مثلي فهو المحبّ الشقيّ
شهد المعبد الكئيب لحبي
أن حبي مخلّد أبديّ
***
يا نشيدي متى ستأتيك الحا
ني فتصغي إلى هتافات حبّي؟
فيم أقضي الأيّام أكتم أشوا
قي وقد ضاق بالعواطف قلبي
ابدا نلتقي فأعرض حيرى
ولقلبي الكئيب أشواق صبّ
إنّها الكبرياء تمتلك الرو
ح فيبدو المحبّ غير محبّ
***
ضاع عمري الحزين في معبد الحز
ن وأذوته لهفتي وشكاتي
لم يزل حّبي العميق عميقا
لم تزده السنين غير ثبات
لم أزل تضحك النجوم وتبكي
وتغني على صدى آهاتي
لم أزل في الحياة ورقاءك الحيرى وما زلت أنت حلم حياتي

في وادي الحياة
--------------------
عد بي يا زورقي الكليلا
فلن نرى الشاطىء الجميلا
عد بي إلى معبدي فإنّي
سئمت يا زورقي الرحيلا
وضقت بالموج أيّ ضيق
وما شفى البحر لي غليلا
إلام يا زورقي المعنّى
نرجو إلى الشاطىء الوصولا؟
والموج من حولنا جبال
سدت على خطونا السبيلا
والأفق من حولنا غيوم
لا نجم فيه لنا دليلا
كم زورق قبلنا تولّى
ولم يزل سادرا جهولا
فعد إلى معبدي بقلبي
وحسب أيامنا ذهولا
وارجع ,كما جئت,غير دار
قد حلك الجوّ بالسحاب
وملّ مجدافك المعنّى
تقلّب الموج والعباب
ولم يزل معبدي بعيدا
خلف الدياجير والضباب
يشوقني الصمت في حماه
وفتنة الأيك والروابي
عد بي يا زورقي إليه
قد حان , يا زورقي, إيابي
ما كفكف البحر من دموعي
ولا جلا عني اكتآبي
ففيم في موجه اضطرابي؟
وأين ,يا زورقي,رغابي؟
تائهة,والحياة بحر
شاطئه مبعد سحيق
يا زورقي آه لو رجعنا
من قبل أن يخبو البريق
انظر حواليك ,أيّ نوء
تجمد من هوله العروق
البحر , يا زورقي جنون
وموجه ثائر دفوق
وكلّ يوم له صريع
في هجعة الموت لا يفيق
وأنت في الموج والدياجي
يا زورقي في غد غريق
فعد إلى الأمس,عد إليه
قد شاقني أمسي الوريق
ماذا وراء الحياة؟ماذا؟
ايّ غموض؟وأيّ سرّ؟
وفيم جئنا؟وكيف نمضي؟
يا زورقي,بل,لأيّ بحر؟
يدفعك الموج كلّ يوم
أين ترى آخر المقرّ؟
يا زورقي طال بي ذهولي
وأغرق الوهم جوّ عمري
أسري كما ترسم المقادير
لي إلى حيث لست أدري
شريدة في دجى حياتي
سادرة في غموض دهري
فخافق شاعر , وروح
قال لها الدهر لا تقرّي
وناطها بالذرى تغنّي
وتنظم الكون بيت شعر
فخافق شاعر , وروح
قال لها الدهر لا تقرّي
وناطها بالذرى تغنّي
وتنظم الكون بيت شعر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
noon
مشرف عام
noon


ذكر
عدد الرسائل : 608
تاريخ التسجيل : 02/11/2007

من روائع نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع نازك الملائكة   من روائع نازك الملائكة Icon_minitime23/1/2008, 3:26 pm


ثورة على الشمس
---------------------
وقَفَتْ أمام الشمس صارخةً بها
يا شمسُ، مثلُكِ قلبيَ المتمرِّدُ
قلبي الذي جَرَفَ الحياةَ شبابُهُ
وَسقَى النجومَ ضياؤه المتجدِّدُ
مهلاً ، ولا يخدعْكِ حزنٌ جائرٌ
في مقلتيَّ ، ودمعةٌ تتنّهدُ
فالحزنُ صورةُ ثورتي وتمرُّدي
تحت الليالي ؛ والألوهةُ تَشْهدُ
****
****
مَهْلاً ولا يخدَعْكِ حزنُ ملامحي
وشُحوبُ لوني وارتعاشُ عواطفي
واذا لمحتِ على جبيني حَيْرتي
وسُطورَ حزني الشاعريِّ الجارفِ
فهو الشعورُ يُثيرُ في نفسي الأَسى
والدمع في هول الحياةِ العاصفِ وهي النبوَّةُ لم تطِرْ فتمرّدَتْ
****
****
شَفَتايَ مُطبْقَتان فوق أساهما
عينايَ ظامئتانِ للأنداءِ
تَرَكَ المساءُ على جبيني ظلَّهُ
وقضى الصباحُ على جديدِ رجائي
فأتيتُ أسكُبُ في الطبيعة حَيْرَتي
بين الشَّذَى والوردِ والأفياء فسَخِرْتِ من حُزني العميقِ وأدمُعي
****
يا شمسُ حتى أنتِ ؟ يا لَكَآبتي !
أنتِ التي ترنو لها أحلامي
أنتِ التي غّنى شَبَابي باِسمها
وشَدَا بفَيضِ ضيائها البسَّامِ
أنتِ التي قدّستُها وتَخِذْتُها
صَنَماً ألوذُ به من الآلامِ
يا خيبةَ الأحلامِ ، ما أبقَيْتِ لي
الا ظلالَ كآبتي وظلامي
****
سأحطِّمُ الصَنَمَ الذي شيّدْتُهُ
لك من هَوَايَ لكلِّ ضوءٍ ساطعِ
وأُديرُ عيني عن سَنَاكِ مُشيحةً
ما أنتِ الاّ طيفُ ضوءٍ خادعِ
وأصوغُ من أحلامِ قلبي جَنّةً
تُغْني حياتي عن سَنَاكِ الّلامعِ
نحنُ ، الخياليّينَ ، في أرواحنا
سرُّ الأَلوهةِ والخُلودِ الضائعِ
****
لا تَنْشُري الأضواءَ فوق خميلتي
ان تُشرقي ، فلغيرِ قلبي الشاعرِ
ما عاد ضوؤكِ يستثيرُ خوالجي
حَسْبي نجومُ الليلِ تُلْهِمُ خاطري
هنّ الصديقاتُ السواهرُ في الدُجَى
يفهمن روحي وانفجارَ مشاعري
ويُرِقْن في جَفْني خُيوطَ أشعَّةٍ
فَضيَّةٍ ، تحتَ المساءِ الساحر
****
ألليلُ ألحانُ الحياة وشِعْرُها
ومَطَافُ آلهةِ الجَمالِ اُلملْهِمِ
تهفو عليه النفسُ غير حبيسةٍ
وتحلّق الأرواحُ فوقَ الأْنجُمِ
كم سِرْتُ تحتَ ظَلامه ونجومِهِ
فنسِيتُ أحزانَ الوجودِ المُظْلمِ
وعلى فمي نَغَمٌ إِلهيُّ الصَدَى
تُلْقيهِ قافلةُ النجومِ على فمي
كم رُحْتُ أرقبُ كلَّ نجمٍ عابرٍ
وأصوغُ في غَسَق الظلامِ ملاحني
أو أرقبُ القَمَرَ المودِّعَ في الدُجى
وأهيمُ في وادي الخيال الفاتنِ
ألصمتُ يبعَثُ في فؤادي رعشةً
تحت المساء المُدْلهمّ الساكنِ
والضوءُ يرقُصُ في جفوني راسماً
في عُمْقها أحلامَ قلبٍ آمنِ
****
يا شمسُ ، اما أنتِ .. ماذا ؟ ما الذي
تلقاهُ فيكِ عواطفي وخواطري ؟
لا تَعْجَبي ان كنتُ عاشقةَ الدُجى
يا ربَّةَ اللّهَبِ المذيبِ الصاهر
يا من تُمَزِّقُ كلَّ حُلْمٍ مُشْرقٍ
للحالمينَ وكلَّ طيفٍ ساحرِ
يا من تُهدِّمُ ما يشيّدُهُ الدُجى
والصمْتُ في أعماق قلب الشاعرِ
أضواؤكِ المتراقصاتُ جميعُها
يا شمسُ أضعفُ من لهيب تمرُّدي
وجنونُ نارِكِ لن يمزّقَ نغمتي
ما دام قيثاري المغرِّدُ في يدي
فإِذا غَمرْتِ الأرضَ فَلْتَتَذكَّري
أَني سأخلي من ضيائكِ مَعْبدي
وسأدِفنُ الماضيْ الذي جَلَّلتِهِ
ليخيِّمَ الليلُ الجميلُ على غَدِي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
noon
مشرف عام
noon


ذكر
عدد الرسائل : 608
تاريخ التسجيل : 02/11/2007

من روائع نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع نازك الملائكة   من روائع نازك الملائكة Icon_minitime24/2/2008, 3:05 pm

أنشودة الرياح
-----------------------------------
-1-
أيها السادرون
ما الذي تنشدون ؟
ملء هذا المدى
في الدجى حالمون
كم رسمتم منى
أطفاتها القرون
وأغانيكمو
كم طواها السكون
***
تذرعون الذرى
تقطعون القفار
تحت سمع الدجى
وعيون النهار
تطعمون الرؤى
بالدموع الغزار
إن دون المنى
ألف ألف ستار
***
وأمانيكمو
طيف حبّ نفور
أتظّنونها
في زوايا القصور؟
دونكم فابحثوا
في حرير السّتور
وأنا للمدى كل عمري مرور
-2-
كلّ عمري سرى
في الوجود الجميل
في الصباح الندي
والظلام الثقيل
فوق سرو الذرى
فوق حقل النخيل
أنا أمضي أنا
كلّ عمري رحيل
***
وشهدت هنا ألف
ألف جيل وجيل
ولدوا وانطوو
في التراب المهيل
ضحكوا أو بكوا
في الضحى والأصيل
ما لهم مهرب
من رقاد طويل
***
وسمعت هنا
كلّ جيل يقول:
"في يدي منبع
خالد لا يزول"
وأناشيدهم
قد طواها الذبول
ومبانيهمو
جرفتها السّيول
***
أقبلي أقبلي
يا فتاة النشيد
وابحثي بينهم
عن فؤاد سعيد
كلّ يوم لنا
منك حلم جديد
وأنا ما أنا
غير سير أبيد
***
-3-
طال تجوالها
في الفجاج الفساح
في مرور الدجى
وانطواء الصباح
في تلاشي الندى
وضياع الرياح
إن أحلامها
ملّكتها جناح
كلما ضيعت
في الدياجي رجاء
فتّحت قلبها
للشذى والضياء
إن في روحها
ودماها نداء
لإرتقاء الذرى
وبلوغ السماء
يا فتاة الرؤى
ما أحبّ الوصول
حين يمضي الأسى
والضباب يزول
غير أن السّرى
في جديب طلول
والمدى شاسع
والديار محول
ما وجدت المنى
في حمى الرهبان
عالم مغلق
قاتم الجدران
وأطلّ على
طرفك الحيران
شاطىء أخضر
مبرق الغدران
إنّه شاطىء
غامض لا يبين
واعد بالسّنا
كلّ قلب حزين
وهبطت إلى
ارضه تبحثين
أسفا إنّه
شاطيء العابثين
-4-
إنبسط يا مدى
واختفي يا حدود
إن أقدامها
شردت في الوجود
كّلما صّعدت
في الذرى والنجود
قابلتها ذرى
ومضت في صعود
***
إنها رحلة
في طريق الحياة
بحثت عن دنى
تتحدّى الممات
كلّما أبصرت
رمة في فلاة
جدّدت عزمها
بندى الأغنيات
***
يا فتاة الرؤى
والفؤاد الرهيف
خاطبتك الدنى
في الظلام الكثيف :
"أنصتي تسمعي
في السكون حفيف
وانظري تبصري
أن جدبي وريف"
***
لك قلب غفا
عن معاني الذرى
لك روح ثوى
في ضباب الكرى
لا يحسّ الندى
في جفاف الثرى
فاهبطي وابحثي
عند أهل القرى
***
ربما حرّروا
مقلة راسفه
أغمضت لا ترى
روعة العاصفه
ربما خّففوا
حرقة لاهفه
إن دنياهم
جّنة وارفه
ومضى بحثها
عن ديار النعيم
لم يزل قلبها
في المرآقي يهيم
القصور طوت
حلمها المستديم
فانتهى سيرها
عند دير قديم
أنصتي تسمعي
في السكون حفيف
وانظري تبصري
أن جدبي وريف
لك قلب غفا
عن معاني الذرى
لك روح ثوى
في ضباب الكرى
-5-
حلم وانطوى
في الفضاء المديد
كلما أخفقت
في رجاء فريد
شيّدت في الذرى
حلمها من جديد
لا تبالي اللظى
لا تبالي الجليد
***
خيّبتها القرى
ودجاها الحزين
إنّ في أرضها
يشرا جائعين
لم تجد عندهم
غير دمع سخين
ومضت في السّرى
لا تني لا تلين
***
ثم أرست هنا
عند أهل اللحون
شعراء مشوا
في ظلال الغصون
علّ في نايهم
بعض لحن حنون
ليس فيه أسى
ليس فيه منون
***
حدّقي ها هنا
يا فتاة القصيد
إن في كونهم
رجع لحن سعيد
انظري تلمسي
في الظلام المديد
نشوة غلّفت
قلب هذا النشيد

على تل الرمال
-----------------------------------
لم يزل مجلسي على تّلي الرمليّ يصغي إلى أناشيد أمسي
لم أزل طفلة سوى أنني قد
زدت جهلا بكنه عمري ونفسي
ليتني لم أزل كما كنت قلبا
ليس فيه إلا السّنا والنقاء
كلّ يوم أبني حياتي أحلا
ما وأنسى إذا أتاني المساء
أبدا أصرف النهار على التل
وأبني من الرمال قصورا
ليت شعري أين القصور الجميلات وهل عدن ظلمة وقبورا؟
ايه تلّ الرمال ماذا ترى أبقيت لي من مدينة الأحلام؟
أنظر الآن هل ترى في حياتي
لمحة غير نشوة الأوهام؟
ذهب الأمس لم أعد طفلة ترقب عش العصفور كلّ صباح
لم أعد أبصر الحياة كما كنت رحيقا يذوب في اقداحي
لم أعد في الشتاء أرنو الى الأمطار من مهدي الجميل الصغير
لم أعد أعشق الحمامة إن غّنت والهو على ضفاف الغدير
كم زهور جمعّتها لم تذر منها الليالي شيئا سوى الأشواك
كم تعاليل صغتها فنيت إلاخيالا يؤود قلبي الباكي
آه يا تلّ ها أنا مثلما كنت فأرجع فردوسي المفقودا
أي كفّ أثيمة سلبت رملك هذا جماله المعبودا
كنت عرشي بالأمس يا تلّي الرمليّ والآن لم تعد غير تلّ
كان شدو الطيور رجع أناشيدي وكان النعيم يتبع ظلّي
كان هذا الوجود مملكتي الكبرى فيا ليتني أعود إليها
ليت هذي الرمال تسترجع السحر وليت الربيع يحنو عليها
لم أعد أستطيع أن أحكم الزهر وأرعى النجوم في كل ليل
هل أنا الآن غير شاعرة حيرى وهل غير هيكلي المضمحلّ؟
ذهب الأمس والطفولة واعتضت بحسّي الرهيف عن لهو أمسي
كل ما في الوجود يؤلمني الآن وهذي الحياة تجرح نفسي
أين لون الزهار لم أعد الآن أرى في الزهار غير البوار
كلما شمت زهرة صوّر الوهم لعينيّ قاطف الأزهار
أين شدو الطيور ما عدت ألقى في صفاه من يأس قلبي خلاصا
كل لحن لصادح يتلاشى في ادّكاري الصّياد والأقفاصا
أين همس النسيم لم تعد الأن سام تغري قلبي بحب الجمال؟
فغدا يهمس النسيم بموتيفي عميق الهوى وفوق الجبال
أين مّني مفاتن القمر الساحر والصيف والظلام المثير؟
لم أعد أعشق الظلام غدا أرقد تحت الظلام بين القبور
ها أنا الآن تحت ظلّ من الصفصاف والتين مستطاب ظليل
أقطف الزهر ان رغبت وأجني الثمر الحلو في صباحي الجميل
وغدا ترسم الظلال على قبري خطوطا من الجمال الكئيب
وغدا من دمي غذاؤك يا صفصاف يا تين أيّ ثأر رهيب
ذاك دأب الحياة تسلب ما تعطيه بخلا لا كان ما تعطيه
تتقاضى الأحياء قيمة عيش ضمهم من شقاه أعمق تيه
هي هذي الحياة ساقية السمّ كؤوسا يطفو عليها الرحيق
أومأت للعطاش فاغترفوا منها ومن ذاقها فليس يفيق
هي هذي الحياة زارعة الأشواك لا الزهر, والدجى لا الضياء
هي نبع الآثام تستلهم الشرّ وتحيا في الأرض لا السماء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
noon
مشرف عام
noon


ذكر
عدد الرسائل : 608
تاريخ التسجيل : 02/11/2007

من روائع نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع نازك الملائكة   من روائع نازك الملائكة Icon_minitime24/2/2008, 3:10 pm

آدم وحواء
-----------------------------------
حسبها أننا دفعنا إليها ثمن العيش حيرة ودموعا
أيّ ذنب جناه آدم حتى نتلقى العقاب نحن جميعا؟
وليكن آدم جنى حسبه فقدان فردوسه الجميل عقابا
حسبه يا حياة أن هبط الأرض ليحيا ويجرع الأوصابا
حسبه أنه أتى الأرض مطرودا من الخلد مستطارا حزينا
حسبه ما رأى من الشرّ والإثم وما ذاق من عذاب السنينا
ليت شعري ماذا يروق لعينيه على الأرض بعد سحر السماء
كيف ينسى جمال فردوسه المفقود في عالم دجيّ الفضاء
كيف ينسى الأمس الجميل ليهنا بحياة موسومة بالشقاء؟
ليس يحيا فيها سوى الآثم الجبّار يا رحمتاه للضعفاء

الحرب العالمية الثانية
-----------------------------------
لم يكد يستفيق من حربه الأولى ويهنا حتى رمته الرزايا
رحمة يا حياة حسبك ما سال على الأرض من دماء الضحايا
انظري الآن هل ترين سوى آثار دنيا بالأمس كانت جنابا
ليس من سحرها سوى سود أحجار تثير الدموع والأشجانا
أين نعماك يا بقايا القصور البيض أين الأزهار والأطيار؟
هجرتك الطيور غير غراب وجفاك الأريج والإخضرار
أين أهلوك؟ حدّثيني ماذا يا ركام الأنقاض كان المصير؟
أين يحيون؟ أيّ كهف من الأرض زواهم أساه والديجور؟
أين أهلوك يا قصور أتحت الثلج أم مزقتهم القاذفات
أسفا ضاقت الميادين بالقتلى وما عاد يدفن الأموات
في سفوح الجبال تحت ذرى الأشجار خلف القصور والأكواخ
ليس غير الموتى عظاما وأشلاء وغير اكتآبه وصراخ
يا ملاك السلام أقبل من الأجواء واهبط على الوجود الكئيب
إبك للراقدين في وجمة الموت وأشرق على الظلام الرهيب
طف بهذي القرى لتلمس آهات الحزانى والساغبين الظماء
وارحم الصارخين في سرر الأمراض بين الأحزان والأدواء
طف بأنقاض عالم ليس يدري هل سيحظى بمبهجات الحياة؟
هو إن نام لحظة هبّ مذعورا ليبكي ويرسل الآهات
ما درى حين أضرم الحرب إلاحلم النصر والفخار العظيم
يا لقلب المسكين! ما ينفع المجد لقلب ملوّع مصدوم
فليفق حسبه خيالا وأوهاما ليلقى ما قد جنت كّفاه
عالم مظلم يضجّ به المرضى ويشكو من الطوى أبناه
جفّ زهر الرياض والورق النضر و آوت إلى الجفاف الحقول
أسفا لم تدع لنا الحرب شيئا وتلاشى الحلم الطروب الجميل
من ترى يحرث الحقول ويشدو أغنيات المراح وقت الحصاد
أين لهو الأطفال عند البحيرات وفوق الثلوج في الأعياد
أين؟ ضاع الخيال والحلم الفاتن ضاع الجمال ضاع الرخاء
ليس إّلا دنيا من الجوع والفقر عليها يعذّب الأبرياء
يا قلوب الأطفال لا تخفقي الآن حنينا لن يرجع الآباء
هكذا شاءت السنين فرفقابعيون قد عض فيها البكاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
noon
مشرف عام
noon


ذكر
عدد الرسائل : 608
تاريخ التسجيل : 02/11/2007

من روائع نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع نازك الملائكة   من روائع نازك الملائكة Icon_minitime24/2/2008, 11:01 pm

عيون الأموات
-----------------------------------
يا رفات الأموات في الأرض ماذا
رسم الموت فوق هذي العيون؟
أي رعب وحسرة وشكاة
أيّ معنى من الرجاء الحزين؟
كل عينين فيها صور تبكي وترثي للعالم المغرور
كل عينين تسخران من العيش وتستهزآن بالمقدور
كل عينين تنظران إلى الآفاق بعيدا عن كل ما في الحياة
آه يا ربّ آه لو فهم الأحياء ماذا في أعين الأموات
يا فتاة الخيال حسبك شدوا
برثاء الموتى وحسبك حزنا
سوف يبقى الخصام والشرّ ما عاش الأناسيّ والأناشيد تفنى
هكذا شاءت المقادير للعالم إثم وشقوة وحروب
وهي النفس تحمل الشرّ والبغض فماذا يفيدها التهذيب
كم تّغنى بالسلم والحبّ والرحمة من شاعر ومن فيلسوف
أسفا ضاعت الأغاني ولم تبق سوى ضّجة القتال العنيف
يا لهذا الكون المعذب في قيد من الشر والأذى والأثام
كيف ينجو من الاسى ومتى يشفى من الموجعات والآلام؟
كيف ينجو والطبع والقدر القاسي يسوقانه إلى الأحزان؟
يا لقلب المسكين ليس له في حومة الشرّ والشقاء يدان
كم أراد السموّ عن وهدة الشر فحالت طباعه الآثمات
كم أراد النجاة من مخلب الغدر فعزت على مناه النجاة
ما الذي رامه المسيح لكي يجزى بما كان ما الذي كان منه؟
أيها العالم الذي اقترف الذنب أما آن أن تكّفر عنه؟
أو لم يكفك الشقاء أما زلت مشوقا إلى حياة الدماء؟
جف نبع الدموع والدم يا كون فهلا رثيت للأشقياء؟
لذ ببرج السماء من نشوة القتل ألا وليختم سجلّ الرزايا
وليكن من فقدت في هذه الحرب ختام الذين ماتوا ضحايا

انشودة السلام
-----------------------------------
أيها السادرون في ظلمة الأرض كفاكم شقاوة وذهولا
احملوا نادمين أشلاء موتاكم ونوحوا على القبور طويلا
ضمّخوها بالعطر لفّوا بقاياها بزهر الكنار والياسمين
واهتفوا حولها بأنشودة السلم ليهنا في القبر كلّ حزين
اجمعوا الصبية الصغار ليشدوا بلحون الصفاء والإبتسام
أنقذوا المّيتين من ضجّة الحرب ليستشعروا جمال السلام
فيم هذا الصراع يا أيها الأحياء ؟ فيم القتال؟ فيم الدماء؟
فيم راح الشّبان في زهرة العمر ضحايا وفيم هذا العداء؟
أهو حبّ الثراء؟ يا عجب القلب! وما قيمة الثراء الفاني؟
في غد رحلة فهل يدفع الأموات بالمال وحشة الأكفان
كل حيّ إلى القبر مغداه فهل ثمّ في الممات ثراء
افتحوا هذه القبور وهاتوا حدّثونا أين الغنى والرخاء؟
انظروا ها هنا على الشوك والرمل ثوى الأغنياء والمعدمونا
أيّ فرق ترى وهل غير صمت الموت فوق القبور والراقدينا؟
عجبا ما الذي إذن ساق هذا الكون للموت والأذى والدمار
فيم تحدو الشعوب أطماع غرّ يتصبّى عينيه وهج النار
نشوة النصر؟ يا لسخرية الألفاظ! يا للأوهام يا للضلال
أيها الواهمون حسبكمو وهما وهبوا من الكرى والخيال
نحن أسرى يقودنا القدر الأعمى إلى ليل عالم مجهول
ليس منا من يستطيع فكاكا ليس منا غير الأسير الذليل
أبدا تأمر الليالي ونمشي ليس يجدي تضرّع أو بكاء
ليس يخشى الممات صولة جّبار وما يستثيره الضّعفاء
هكذا الموت غالب أبد الدهر ونحن الصرعى الضعاف الحيارى
وله النصر والفخار علينا فاندبوا ما دعوتموه انتصارا
أيها العالم المخرّب قد أسفرت الحرب عن غلاب المنايا
شهدت هذه القبور لها بالنصر يا رحمتا لتلك الضحايا
ثم ماذا يا ساكني العالم المحزون ؟ ماذا من القتال جنيتم؟
هل وصلتم إلى النجوم البعيدات وهل من كفّ العذاب نجوتم؟
هل تغّلبتم على الفقر والأحزان والسقم أّيها الواهمونا
أنجوتم من المآثم أم لم يزل العيش فتنة ومجونا
أسفا لم تزل كما كانت الأنفس تحيا في إثمها الأبديّ
لم تزل خمرة الضلال رجاء الآدميين في الوجود الشقيّ
لم تزل في الوجود أغنية الحزن يغّني بها الضعاف الجياع
لم تزل في الوجود مرضى حيارى أبدا تعتريهم الأوجاع
كل شيء باق كما كان قبل الحرب غير الأيتام والأموات
غير ظلّ من الكآبة والحيرة يمشي على ضفاف الحياة
هؤلاء الأيتام بالأمس كانوا صورة البشر والمراح الجميل
تحت ظلّ الآباء يقضون عيشا ما دروا غير صفوه المعسول
وأفاقوا من حلمهم فإذا الأقدار حرب والكون قتل ونار
يا عيون الأطفال لا تسألي الدنيا علام اللظى؟ وفيم الدمار؟
في سبيل المجد المزّيف هذا الهول لا كان مجدهم لا كانا
في سبيل النصر المموّه عاد العالم الحلو في اللهيب دخانا
هؤلاء الصرعى على الصخر والشوك شبابا وفتية وكهولا
كيف كانوا بالأمس أية رؤيا رسموها فلم تهشّ طويلا؟
أّيها الأشقياء في الأرض يا من لم تمتهم قذائف النيران
عبثا تأملون أن يرجع الآن أعزاؤكم إلى الأوطان
انظروا ها هم الجنود يعودون فرادى مهشّمي الأعضاء
آه لولا بقية من حياة لم يعدّوا في جملة الأحياء
عبثا يبحثون في هذه الأنقاض عن أهلهم وعن مأواهم
عبثا يسألون ما يعلم العابر شيئا فيا لنار أساهم
كيف ذاقوا مرارة الخيبة السوداء بعد الآلام والأدواء
هل نجوا من براثن الموت والأسر لكي يسقطوا أسارى الشقاء؟
أيّها الأشقياء يا زمر الأحياء في كلّ قرية وصعيد
آن ان نستعيد ماضي حبّ هو مفتاح حلمنا المفقود
ما الذي بيننا من البغض ماذا كان سرّ القتال والأحقاد
أّيها الناقمون نحن جميعا شرع في أيدي الخطوب الشداد
نحن نحيا في عالم ليس يدرى سرّه فهو غيهب مجهول
تطلع الشمس كل يوم فما كنه سناها ؟ وفيم كان الأفول؟
ما الذي يطلع النجوم على الكون مساء؟ ما كنه هذا الوجود؟
أيّ شيء هذا الفضاء وما سر دجاه؟ هل خلفه من حدود؟
نحن هل نحن في الوجود سوى الجهل مصوغا في صورة الإنسان؟
كلّ ما في الأكوان يحكمنا ماذا إذن سرّ ذلك الطغيان؟
فيم نطغى؟ وكيف ننسى قوى الكون وما في الوجود أضعف مّنا
ينخر الدود ما نشيد ولا تبقي البراكين والرياح علينا
فيم نقضي حياتنا في العداوات ونمضي السنين يأسا وحزنا؟
كيف ننسى أّنا نعيش حياة الورد سرعان ما يموت ويفنى
لن تدوم الأيّام لن يحفظ الدهر كيانا لكائن بشريّ
فلندع هذه الضغائن والأحقاد ولنحي في الوداد النقيّ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
لوركا
مشرف عام



ذكر
عدد الرسائل : 362
تاريخ التسجيل : 19/10/2007

من روائع نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع نازك الملائكة   من روائع نازك الملائكة Icon_minitime25/2/2008, 1:25 pm

جئت هنا لأقول بما أتيح لي من كلمات

حمداً لله بعودتك إلى قلمك وصفحاتك ...

جئت أقول لك شكراً وليكن الرب في عونك

كي يكون هذا المنتدى موسوعة روائع الشعر العربي

لك محبتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
noon
مشرف عام
noon


ذكر
عدد الرسائل : 608
تاريخ التسجيل : 02/11/2007

من روائع نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع نازك الملائكة   من روائع نازك الملائكة Icon_minitime27/2/2008, 12:21 am

البحث عن السعادة
-------------------
قد بحثنا عن السعادة لكن ما عثرنا بكوخها المسحور
أبدا نسأل الليالي عنها وهي سرّ الدنيا ولغز الدهور
طالما حدّثوا فؤادي عنها في ليالي طفولتي وصبايا
طالما صوّروا لعينيّ لقياها وألقوا أنباءها في رؤايا
فهي آنا ليست سوى العطر والألوان والأغنيات والأضواء
ليس تحيا إلا على باب قصر شيّدته أيدي الغنى والرخاء
وهي آنا في الصوم عن متع الدنيا وعند الزّهاد والرهبان
ليس تحيا إلا على صخر المعبد بين الدعاء والإيمان
وهي حينا في الإثم والمتع الدنيا وفي الشرّ والأذى والخصام
ليس تصفو إلا لقلب دنيء لآئذ بالشرور والآثام
وهي في شرع بعضهم عند راع يصرف العمر في سفوح الجبال
يتغنى مع القطيع إذا شاء تحت الشذى والظلال
وهي في شرع آخرين ابنة العزلة والفنّ والجمال الرفيع
ليس تحيا إلا على فم غرّيد يغني أو شاعر مطبوع
وهي حينا في الحبّ يلهمها سهم كيوبيد قلب كلّ محبّ
ليس تحيا إلا على شفة العاشق يشدو حياته لحن حبّ
حدّثوني عنها كثيرا ولكن لم أجدها وقد بحثت طويلا
لم أزل أصرف الليالي بحثا وأغّني بها الوجود الجميلا
مرّ عمري سدى وما زلت أمشي فوق هذي الشواطىء المحزونه
لم أجد في الرمال إلا بقايا الشوك! يا للأمنية المغبونه
أين اصدافك اللوامع يا شطّ إذن أين كنزك الموعود؟
هاته رحمة بنا ,هات كنزا هو ما يرتجيه هذا الوجود
هاته حسب رملك البارد القاسي خداعا لنا وحسبك هزءا
يا لحلم نريد منه اقترابا وهو ما زال أيّها الشطّ ينأى
لم تعد قصّة السعادة تغريني فدعني على شاطىء الآهات
عبثا أرتجي العثور على الكنز فلا شيء غير صمت الحياة
أين من هذه الحياة ابتسامات الأماني ونشوة الأفراح؟
كيف يحيا فيها السعيد وليست غير بحر تحت الدجى والرياح
طال بحثي يا ربّ أين ترى ذاك السعيد الجذلان أين تراه؟
ليس حولي إلا دياجير كون ليس يفنى بكاؤه وأساه
كل يوم ميت يسير به الأحياء باكين نحو دنيا الظلام
يا لأسطورة الخلود فما الخالد غير القبور والآلام
يا دويّ النواح في الأرض أيّان يكفّ الباكون والصارخونا؟
ومتى ينتهي الشقاء متى يرتاح كون ذاق العذاب قرونا
عالم كلّ من على وجهه يشقى ويقضي الأيام حزنا ويأسا
جرّعته السنين حنظلها المرّ فعاف الحياة عينا ونفسا
إيه أسطورة السعادة هاتي حدّثيني عن سرّك المنشود
أين ألقاك؟ أين مسكنك المرموق؟ في الأفق أم وراء الوجود؟
سرت وحدي تحت النجوم طويلا أسأل الليل والدياجير عنك
أسفا لم أجدك في الشاطىء الصخريّ حيث المياه تفتأ تبكي
حيث تبقى الأشواك والورد يذوي تحت عين الأيّام والأقدار
حيث يفنى الصفاء والليل يأتي بجنون الأنواء والأعصار
حيث تقضي الأغنام أيّامها غرثى ولا عشب في جديب المراعي
أبدا تتبع السراب وتشكو بخل دهر مزّيف خدّاع
حيث يحيا الغراب, والبلبل الموهوب يهوي في عشّه المضفور
ويغّني البوم البغيض على الدوح ويثوي القمريّ بين الصخور
حيث تبقى الغيوم في الجوّ رمز الحياة سوادها ليس يفنى
حيث تبقى الرياح تصفر لحنا هو سخرّية المقادر منّا
حيث صوت الحياة يهتف بالأحياء : ماذا تحت الدجى تبتغونا؟
انظروا كلّ ما على الأرض يبكي فأفيقوا يا معشر الحالمينا

بين قصور الأغنياء
-----------------------------------
سرت بين القصور وحدي طويلا أسأل العابرين أين الطروب؟
فإذا فتنة القصور ستار خادع خلفه الأسى والشحوب
لم أجد في القصور إلا قلوبا حائرات وعالما محزونا
ليس إلا قوم يضيقون بالأيّام ضيق الجياع البائسينا
ليس ينجيهم الغنى من يد الأشجان ليست تنجيهم الكبرياء
ليس يعفو الممات عنهم فهم حزن وصمت وحيرة وبكاء
كم وراء القصور من مقل تبكي وتشكو قساوة المقدور
كم قلوب تودّ أن تبدل القصر بكوخ على حفاف الغدير
إن يكونوا نجوا من الجوع والفقر ولم يفترسهم الحرمان
فلقد طالما أحسّوا بجوع الروح واستعبدتهم الأحزان
إن يكونوا يقضون أيّامهم بين الحرير الملوّن الجذّاب
فغدا تعبر الدهور وهم موتى على الشّوك والحصى والتراب
إن يكن في قصورهم من سنا الأضواء ما يرجع الظلام ضياء
فغدا يخمد الضياء وتبقى ظلمة الليل بكرة ومساء
ليس تنجي القصور من ربقة الحزن إذا طاف بالقلوب دجاه
كم غنيّ يقضي الحياة شقّيا مغرقا في أنينه وبكاه
كل ما في هذا الوجود من الأموال لا يستطيع دفع الشقاء
كلّ تلك الكنوز ما غمرت قطّ غنيا بساعة من هناء
يا طريقي مل بي العشّية ما عاد جمل القصور يحلو لعيني
لم أجد ومضة السعادة فيها لم أجد غير ظلّ يأس وحزن

عند الرهبان
-----------------------------------
سر بنا نحو ذلك المعبد القائم فوق الصخور بين الجبال
سر بنا سر بنا لعل لدى الرهبان سرّ النعيم والآمال
هؤلاء الزهّاد في القّبة البيضاء حيث الصفاء ملء الوجود
عّلهم يعرفون ما قد جهلنا عن شهاب السعادة المفقود
قد سألت الرهبان عن كنزنا السّحريّ لكن لم ألق منهم جوابا
لم يجبني منهم سوى صوت محزون يغّني ويجرع الأوصابا
لم أجد في تلك الصوامع غير الأوجه الشاحبات والديجور
لم أجد غير وحشة تبعث اليأس وصمت كمثل صمت القبور
هؤلاء الأشباح ماذا تراهم ؟ آدميّون أم بقايا طيوف
فيم جاءوا وأية سلوى وجدوها ما بين هذي الكهوف
في بعيد الآفاق تحت دياجي ر وجود تمشي الكآبة فيه
حيث ما زالت الحياة كما كانت على عهد آدم وبنيه
حيث لا زهر لا عرائش لا أشجار لا شيء غير هذا السكون
لا جديد فيه سوى موت حيّ من بنيه ما بين حين وحين
أيّها الراهب الذي يقطع العمر وحيدا في كوخه المكفهرّ
هات حدّثني العشّية عما عند دنياك من نعيم وبشر
حدّثوني عنكم فقالوا حياة من نعيم وأنفس من نقاء
عجبا أين ما يقولون ؟ما لي لا أرى غير حيرة الأشقياء
ما الذي عندكم من البشر والأفراح؟ ماذا يا أيّها الزاهدونا؟
ليس إلا عمر يمرّ حزينا يتهاوى كآبة وسكونا
حدّثوني عنكم فقالوا قلوب نسجت من نقاوة وثراء
ونفوس صيغت من الزهر والعطر وهامت مع السّنا والّنقاء
أين هذا الذي يقولون عنكم أيّها الراهبون؟ أين تراه؟
اسم (تاييس) لم يزل يملأ الكون فأين الذي أضّلت خطاه؟
ما نسينا غواية الراهب المسكين في حبّها, وكيف هداها!
يا له بائسا سما بابنة الإثم إلى قمّة السماء وتاها
أيّها الراهبون لن تنبت الأزهار والعطر والسّنا في النفوس
عبثا تهربون من مغريات العيش كم في الوجود من تاييس
لن تذوقوا شهد السعادة ما دمتم أناسيّ من تراب وماء
كتبت هذه الطبيعة للأحياء أن يكرعوا كؤوس الشقاء
أو تنسون أنكم لم تزالوا مثلما كنتمو حيارى حزانى
لم تزل فتنة الوجود تنادي كم وتهفيكم إلى ما كانا
لم تزل ذكريات أمسكم المهجور تحيا في الأنفس المحزونه
وخيال من عالم فاتن الألوان ملء المشاعر المغبونه
أيها الراهبون ماذا إذن نفع اعتزال تشوبه الصبوات
آه عودوا إلى مصارعة الدهر وعيشوا كما تشاء الحياة
أيها المعبد الحزين وداعا أنت يا من لاذت به آمالي
لم أجد في حماك زهرة أحلامي فيا ضيعة السّرى والكلال
لم أجد زهرة السعادة والأفراح عند الزّهاد والراهبينا
آه ضاعت أيّام عمري وما زال شراعي يطوي فراغا حزينا
عند شط الحياة ألقيت مرسى زورقي في الضباب تحت الظلام
أرقب السائرين في الشاطىء الصخريّ بين الوهاد والأكام
أين ألقاك يا سعادة ؟هاتي حدّثيني فقد بحثت طويلا
طال تيهي فنبئيني متى يبلغ قلبي مقرّك المجهولا
أو لم أقطع البحار إلى الرهبان والزاهدين في الصحراء
أو لم تنكر الفضيلة ألوانك يا لهفتاه ضاع رجائي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
noon
مشرف عام
noon


ذكر
عدد الرسائل : 608
تاريخ التسجيل : 02/11/2007

من روائع نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع نازك الملائكة   من روائع نازك الملائكة Icon_minitime27/2/2008, 5:22 pm

مع الأشرار
-----------------------------------
قد رقبت الأشرار حينا فلم أعثر لديهم على سناك الحبيب
فهم البائسون تطحنهم أيدي الليالي بما جنوا من ذنوب
ورأيت الطغاة يحيون محزونين بين الأوهام والأشباح
ليس يشفيهم من الحزن واليأس دواء فالداء في الأرواح
فإذا أخمدوا هتافات مظلوم فما يخمدون صوت الضمير
ذلك الراقب الإلهيّ في النفس لسان الهدى وصوت الشعور
أبدا ساهر يراقب أقدار الليالي وسطوة الأيّام
أبدا يرمق الحياة من الأعماق ,مستهزئا من الأعوام
فإذا حادت القلوب عن الخير علا صوت ذلك الجبّار
فهو الناقم النبيل على الشرّ وقاضي الطغاة والأشرار
كيف ينجو الأشرار من شقوة الروح وصوت الضمير بالمرصاد
لا ملاذ من حاكمم يملك الروح بما في كّفيه من أصفاد
عجبا أين تلتقيك حياتي؟ يا ضفاف السعادة المنشوده؟
جبت هذا الوجود أبحث لكن لم تزالي الحقيقة المفقوده
جهلتك الدنيا فلا أحد يعلم ما أنت واقع أم خيال؟
كّلهم يسألون عنك ولكن لم تحدّث بسرّك الآزال
ها أنا ذي حملت قلبي على كفّي وسرت الحياة أبحث عنك
أسأل العابرين هل فيهم من قد روى قلبه المشوّق منك

في الريف
-----------------------------------
عند هذي الأكواخ شاعرتي ألقي المراسي تحت الفضاء الصاحي
أنظري أيّ عالم فاتن المجلى بعيد عن ضجّة الأتراح
أنظري عّلنا بلغنا أخيرا ذلك الشاطىء الذي نتمّنى
بعد ليل من المسير طويل ضاع فيه عمري كلالا وحزنا
أنظري أنظري هنا العشب الأخضر نشوان في سفوح الجبال
عند نبع من قنّة الجبل الأبيض يجري تحت السّنا والظلال
الصباح الجميل قد توّج الوديان بالضوء والجمال البهيج
ما أحبّ الحياة في هذه الجنّة تحت الضياء بين المروج
ما أحبّ الصفاء يحتضن الأشجار والواد النضير الخصيبا
ما أرقّ الأزهار في مهدها الورديّ ما أعطر الربى والسهوبا
كلّ شيء في هذه الجّنة الحلوة يوحي بأننا قد وصلنا
ها هنا شاطىء السعادة هذا حلم قلبي فما ألذّ وأهنا
فلنطف بالعرائش الخضر فلنغنم صفاء الحياة بعد أساها
فلتجفّ الدموع فليمض أمس مرّ بالقلب باكيا أوّاها
ولنعش للصفاء يفتن دنيانا غناء الرعاة عند الجبال
ونشيد تديره شفتا طفل يغّني على تلول الرمال
وقطيع الأغنام في المرج تحت الظلّ والفجر والندى والنسيم
وليالي الحصاد والقمر السحريّ والطيف والصدى والغيوم
فلنقضّ الحياة في هذه الجنة ناسين حادثات الحياة
ها هنا فتنة الطبيعة تنجي الكائن الحيّ من خيال الممات
ها هنا أستطيع أن أفهم السرّ ففيم الأسى وفيم البكاء؟
خل خلت هذه المجالي من الأغنام يوما؟ وهل تعرّى الفضاء؟
ها هنا يستطيع أن يفهم القلب جمال الدنيا وسرّ الخلود
كل حيّ باق فإن مات غرّيد فكم في الأعشاش من غرّيد
ها هنا كلّ زهرة تبعث العطر فإن تفن فالشذى غير فان
كم زهور ستنشر العطر والألوان من بعد في فضاء المغاني
ها هنا إن يسر أبولو بضوء الشمس نحو المغيب كلّ مساء
فالنجوم المتلألئات جمال شاعريّ الألوان والأضواء
ها هنا تنطق العرائش بالشعر وتحنو على مجاري الجداول
ها هنا تستحمّ آلهة الأنهار في الماء تحت ظلّ الخمائل
كلّ شيء حلو فاين ترى السكان؟ أين الفلاّح والقطعان؟
فيم لا يملأون عالمهم لهوا؟ وأين الآمال والألحان؟
سرت فيه وحدي وحدي أسائله عن ساكنيه وأيّ واد حواهم؟
أيّ لحن يرّنمون إذا الشمس أطّلت؟ وما ترى نجواهم؟
كيف يحيون في صفاء من العيش بعيد عن قسوة الضرّاء
أأظّلتهم السعادة بالأحلام أم هم كسائر الأشقياء
اتراهم يرنّمون الأغاريد ويلهون في ليالي الحصاد
تحت ضوء النجوم والقمر الباسم بين العطور والأوراد
أتراهم أولئك البشر اللاهون بين الجمال والأحلام؟
أتراهم كما تخّيل قلبي؟أم تراني أمعنت في اوهامي
يا رعاة الأغنام في السفح عند النبع بين العرائش السّندسية
حدّثوني عن أغنياتكم الجذلى وعن بسمة القرى الشاعرّيه
حدّثوني عن الربيع إذا مر على هذه القرى والشطوط
حدّثوني عن الحصاد ومجنى الزهر والبرتقال والبلّوط
حدّثوني ما لي أراكم حزانى ؟كلّ راع في وحشة واكتآب
كلّ راع جهم الملامح لا يشدو ولا يزدهيه سحر الغاب
أنت يا أيّها الحزين أجبني أيّ حزن في مقلتيك أراه؟
أي قيد من المرارة واليأس أظلّتك يا كئيب يداه؟
كيف يشقى من في حمى هذه الجنة يحيا وتحت هذي السماء
كيف يشقى الراعي وبين يديه جنة من مفاتن وضياء
أسفا قد خدعت لم تصدق الأحلام فيما رسمن من أفراح
لم أجد عند ذلك الشاحب الصامت إلا مرارة الأقداح
فهو عند الينبوع ينظر في الظلّ إلى الأفق شاحبا مصدوما
ممعنا في الجمود والصمت كالموتى يناجي الفضاء يرعى الغيوما
لم تزل قربه على العشب النادي عظام لكائن مقتول
هو ذاك الراعي الصغير الذي راح طعاما للذئب بين الحقول
إيه راعي الأغنام يا أيّها المقتول فوق العشب النديّ النضير
كيف مات الراعي ولم تمت الأغنام يا للمقدّر المسطور
يا لحكم الأقدار يا راعي الأغنام يا ظلم ما تريد الصروف
كيف تفنى الأشواك حارسة الزهر ويبقى الورد الرقيق الضعيف؟
إنها قصّة الطبيعة يا راعي قتال وأدمع وشكاة
إن تكن قد قتلت فالثأر باق وغدا تقتل الذئاب الرعاة
نازعتنا البقاء في هذه الأرض وحوش الأحراش والأطيار
فلنا النصر مرّة ولهم أخرى كما تبتغي لنا الأقدار
فعزاء يا أيّها الجسد المصروع في غمرة الكرى الأبديّ
قد بكاك الراعي الصديق وما زال غريقا في حزنه الأخويّ
لم يزل جامدا على حافة النبع وفي مقلتيه دمع الشجون
يرقب الماء شاكيا قسوة الأقدار مستنكرا ضلال المنون
صامتا ساهما بعيدا عن الأغنام حيران في ضباب الوجود
رازحا تحت وطأة الألم الطاغي مشيحا عن الشذى والورود
كلما جفّ دمعه ذكر المقتول والذئب فاستردّ أساه
يا لأحزانه الملحّات يا للهول ماذا ترى يعيد صفاه؟
السّنا والجمال؟ يا حيرة الراعي ويا ضيعة السنا والجمال
بعد حين ستعصف الريح بالصفصاف والورد في سفوح الجبال
بعد حين يأتي المساء كئيبا ويلفّ الجبال بالأحزان
ويسود السكون غير هتاف ردّدته ضفادع الغدران
غير صوت النشيج في قرية الراعي تعالى تحت الدجى المنشور
غير صوت القدوم يعمله الحفّار في الأرض بين صمت القبور
ثم يمضي الليل العميق إلى غير رجوع وتبسم الأضواء
ويعود القمريّ يصدح جذلان كأن ليس في الحياة شقاء
غير دار ماذا يعذّب أهل القرية البائسين من آلام
غير دار ما خلف أكواخهم من رعشات ولوعة وسقام
ليس يدري القمريّ لا ليس يدري ما وراء الأكواخ من حرمان
ليس يدري أنّ الطبيعة تقسو ليس يدري مرارة الأحزان
ليس يدري ماذا وراء بيوت الطين هذي من وحشة وظلام
ليس يدري ماذا يهزّ الخيام السود من لهفة ومن آلام
ليس يدري القمريّ ما يحزن الفلاح في كوخه وليس يراه
ليس يدري أنّ الأماسيّ قد تمضي عليه وما يغيب أساه
ليس يدري ما يفعل الجوع والحزن بأهل الأكواخ كلّ شتاء
حينما تغمر الثلوج ثرى المرج وتطغى عواصف الأجواء
حينما في حضائر القرية الحيرى يموت القطيع موت غبين
حينما تذبل العواصف زهر اللوز والبرتقال والياسمين
حينما تدفن الثلوج حقول القمح يا رحمتاه بالفلاّح
حينما يصرخ الجياع الحيارى في ظلام الأكواخ كلّ صباح
أيها الصادح المغرّد فوق الدّوح طر عن هذا الوجود الأليم
دع أساه يا طير لي وحدي واحي أنت الجذلان بين الغيوم
دعه لي دع آمال قلبي تذبل بعد بحثي الطويل في الكون عنها
دع فؤادي يعد إلى ظلمة الأحزان واخلص يا بلبلي أنت منها
خّيبت هذه القرى حلو أحلامي فلا رسم للسعادة فيها
ليس يدري الراعي المعذّب مأواها ولا كان مرّة من بنيها
خدعتني الأوهام ليس لدى الراعي رخاء الحياة ليس لديه
فهو ذاك المكدود تصهره الشمس ويقسو الحصى على قدميه
يتمّنى أن لو تبدّل بيت الطين قصرا على حفاف المدينه
ويريد الحياة لهوا فلا أغنام تثغو ولا نفوس حزينه
يا لوهم المسكين, كم من شقيّ في ظلال القصور كم مصدوم
ليس للمال أن يذيق فؤادا بشرّيا معنى الرضى والنعيم
يا سفينتي ما عاد في القرية الحلوة مرسى لنا ففيم البقاء
ليس تحت الصفصاف إلا بيوت الطّين والسقم والطوى والبكاء
أقلعي أقلعي بنا قد سئمنا صرخات الجياع في كلّ شعب
قد رأينا الدموع في كلّ عينوشهدنا الشقاء في كلّ قلب
ما الذي يا سفين يغري بأن نبقى إذن؟ ما الذي ترى يبقينا؟
هل وجدنا طيف السعادة هل في هذه الأرض فرحة تغرينا؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
noon
مشرف عام
noon


ذكر
عدد الرسائل : 608
تاريخ التسجيل : 02/11/2007

من روائع نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع نازك الملائكة   من روائع نازك الملائكة Icon_minitime1/3/2008, 11:47 pm

بين الفنانين
------------------
انشري يا سفين أشرعة السير وشّقي عباب هذي الحياة
ثم ارسي بنا على شاطىء الفنّ وبين الأشعار والأغنيات
علّنا واجدون في ذلك الشاطيء ظلّ السعادة المتمّنى
علهم قد ترّشفوا شهدها السحر حتى صاغوه شعرا وفّنا
طالما صوّروا لألحانهم ماقد دعوه بنشوة الفنّان
طالما حدّثوا عن الأمل الحلو وغّنوا بالنور والألوان
فلنقف عندهم إذن ولنراقب ركب أيّامهم وكيف تمرّ
أتراها ليل ودمع حزن؟ أم تراها فجر وضحك وبشر؟

مأساة الشاعر
------------------------
قد هبطنا في شاطىء الشعر والفن
فماذا فيه من الأفراح؟
ها هو الشاعر الكئيب وحيدا
تحت سمع الآصال والأصباح
أبدا ساهم يراقب أيّام حياة لا تنقضي بلواها
لا يرى الواهمون غير ضحاها
ويعيش الفّنان تحت دجاها
يرقب الأشقياء في ظلمة العيش ويبكي لهم بكاء غبين
ويصوغ الألحان يرثى لبلواهم ويبكي على الوجود الحزين
طالما بات ساهد الطرف حيران يسرّ الظلام أحزان شاعر
لا يرى في الحياة إلا وجودا
ظّللته يد الشقاء العاصر
أبدا لا يرى سوى مسرح المأساة بين الدموع والتنهيد
وستارا من الدجى يتجّلى
كلّ يوم عن مّيت ووليد
واكتئابا يمشي على صور الكون جميعا ولوعة وشقاء
ودموعا تلوح في كل عينين ودهرا يخادع الأحياء
ليس يلقى الحياة إلا حزين القلب حيران في هموم الحياة
كلما أنّ بائس ذرف الشاعر دمع الأسى على المأساة
وإذا أذبل الجليد زهو اللوز ران الأسى العميق عليه
وإذا ماتت البلابل ظمأى
جال دمع الرثاء في مقلتيه
فهو قلب قد صيغ من رّقة الزهر وعين قد طهّرت بالدموع
وحياة حسّاسة ليس يدري
سرّها غير شاعر مطبوع
هي عمر ظمآن تعصره العزلة عصرا, يمرّ كالآزال
في سكون لا صوت يسمع فيه
غير صوت الصرّار تحت الليالي
غير همس الحمام في الجبل الموحش أو لحن بلبل مهجور
وحفيف الأشجار في قبضة الريح وصوت الرعود في الديجور
غير همس الأشباح ملء دجى الشاعر في ليله الطويل الجديب
يتلّقى الأشعار عنها ويحيا
أبدا في حمى الأسى والشحوب
أيها الشاعر الذي يسهر الليل وحيدا مستغرقا في الجمود
محرقا روحه بخورا على حبّ
(أبولو) ووحيه المنشود
ساهدا حانيا على القلم الشاعر يرثي الدجى ويبكي السنينا
راسما للحياة صورتها المرّة بين الجياع والبائسينا
أطفىء الضوء أيّها الشاعر المتعب وارحم فؤادك الموجوعا
كاد يخبو ضوء السراج وتأتي
ظلمات الدجى عليه جميعا
رقد العالم المعذّب تحت الليل فارقد واترك بقايا النشيد
حسبك الآن ما سهرت مع الحارس ترثي لليلة المكدود
قد أوى الحارس الكئيب إلى الكوخ إلى غمضة الكرى والطيوف
فكفى يا حزين عطفا على الكون ورفقا بقلبك الملهوف
عجبا كيف تسهر الشاعر الملهم أحزان من عن الحزن ناموا
كيف ترقا مدامع الورد في الحق
ل ويبكي على أساها الحمام
آه يا شاعري المعذّب ماذا؟
أكذا تصرف الحياة غبينا؟
في سبيل الوحي السماويّ تحيا
شاحب الوجه متعبا محزونا
بعت بالشعر لهو أيّامك الظمأى وعفت الحياة عينا وقلبا
ونذرت الشباب والحبّ للفن
لتحيا على الجراح محّبا
ليس يعنيك أن ترافقك الأحزان ما دمت ملهما صدّاحا
ليس يرضيك غير تغّني
ه وإن صغته أسى ونواحا
ليس تعطي الحياة للشاعر المجد إذا لم يذق هموم الحياة
ليس تسمو الأرواح إن لم تطهّرها معاني الدموع والآهات
فإذا أشحب الأسى وجنة الشاعر أو بات ليلة أوّاها
وإذا عضّ قلبه مخلب الحزن وضاقت حياته بأساها
خاطبته الحياة : يا شاعري الملهم يا ابن الشحوب والآلام
النجوم الوضاء لا تبعث السحر إذا لم يسدل ستار الظلام
والذي يجمع الزهور يدوس الالشوك يا شاعري ويمشي عليه
والذي يعشق الطبيعة لا يثقل صمت الدجى على مسمعيه
فاحتمل ما استطعت أحزان عمر هو لولا الأحزان ما كان شيّا
وادفن النور في جفونك ميتا وابعث الشعر من فؤادك حّيا
غنّ هذا العذاب صف لحياة الناس ماذا يبكي فؤاد الشاعر
صف لهم كيف يصرف العمر حيران ويحيا على أساه العاصر
صف لهم ذلك الصراع صراع الفكر والقلب في ظلام الحياة
كّلما أخفت النعيم صراخ القلب ضج الفكرالأبيّ العاتي
فهما في حياته نبع أحزان يردّ الحياة أفقا كئيبا
وهما الثائران لا بدّ من صوتهما وليكن دما ولهيبا
شرعة الفكر أن يغرّد بالشعر ويشدو وإن يكن محزونا
ومناه السموّ للعالم الأعلى وأن يلق في الطريق المنونا
فهو أفق حرّ يريد حياة العقل في معزل عن الإحساس
وسواء لديه أن يشجب الشاعر أو أن تقسو عليه المآسي
أفليس الشحوب والألم العاصر نبعا للشعر والألحان
أو لا تقنع الحياة من الشاعر باللحن في حمى الحرمان؟
فيم كان الصراع يبعثه القلب إذن فيم؟ فيم لا يطمئن
فيم يأبى الحياة في وحشة العزلة والفكر فيم يمضي يئن؟
هكذا تصرخ الخواطر بالشاعر في ليله, فإن جاء فجر
ورأى الراعي الصبيّ يسوق الغنم الظامئات لم يبق شعر
ومضى القلب صارخا أين حّبي؟ أين لهوي؟ وفيم أبقى أسيرا
أبدا لا أني أضّحي بأفراحي وأحيا ذاك الحزين الكسيرا
من بكائي تصوغ شعرك للكون ومنّي المنى ومّني الحنين
من دمي هذه الملاحم فارحمني أنا العاشق الشجي المغبون
انطلق بي دعني أذق فرحة الحبّ لعلي من الشقاء أفرّ
ما غناء الأشعار يا شاعري المتعب إن كانت الحياة تمرّ؟
ليس يغني عنك النشيد إذا متّ حزينا وليس يرويك لحن
لا تقل في غد غد ندم قاس على ما مضى ويأس وحزن
تحت ثقل الثرى وفي وحشة الموت سيخبو هذا النشيد ويفنى
فإذا لحنك الذي صغته يأسا وحزنا للناعمين يغّني
وستنسي أنت الذي ملأ الدنيا جمالا ومات ظمآن جهما
وسيبلى التراب ما يتبّقى منك يا مستطار لحما وعظما
ثم ماذا ؟ غدا يقولون قد كان فتى بيننا طواه الهزال؟
ما رأينا منه سوى طيف إنسان فقدناه واصطفاه الخيال
سيقولون شاعر ركبته لوثة فانزوى وعاش غريبا
أبدا يرقب الفضاء يصيد النجم أو يحصد الظلام الكئيبا
يرمق الزهر من بعيد وفي عينيه أحلام عاشق ولهان
جامدا قانعا بعذريّ حبّ يكتفي بالعطور والألوان
أيها الشاعر السجين كفانا غربة في حياتنا ووجوما
حسبك الآن ما خضعت لصوت العقل وارحم شبابك المحروما
ويمرّ النهار والشاعر المغبون حيران بين فكّي أساه
بين همس الصوتين يحيا كئيبا ويناجي طيوفه ومناه
فإذا جاش قلبه بمعاني اليأس ألقى أحزانه في النشيد
لائذا باليراع يسكب فيه ما يعاني من العذاب الشديد
ساكبا روحه على كل بيت ناحتا من فؤاده الألحانا
راضيا بالشحوب والسقم حبا لأبولو مستسهلا ما كانا
كلّ بيت من شعره يتقاضاه شحوبا ورعشة وسقاما
فهو في لحنه يذيب صباه ويضيع الشباب والأحلاما
ثم ماذا؟ سرعان ما يزأر الإعصار, والزهرة الجميلة تذوي
وإذا الضوء في الأعاليّ يخبو وإذا النجمة الوضيئة تهوي
ويغيب الضياء في ليل قبر ليس تبكي له سوى الأمطار
ليس يرثيه غير ذاوي صباه وبقايا القيثار والأشعار
ذلك الشاعر الذي كان يحيا عمره باكيا على كلّ باك
ذلك العاطف النبيل على الأحزان ذاك الملقى على الأشواك
نبذته الأيام في قبره الموحش تحت الرياح والظلمات
حيث لا آهة يصعّدها قلب ولا دمعة على المأساة
هكذا في العذاب تمضي حياة الشاعر الملهم الرقيق وتنسى
هكذا يملأ الوجود جمالا ويذوق الآلام كأسا فكأسا
هكذا كلّ شاعر فارحلي بي يا سفينتي عن عالم الشعراء
ولندعهم في ذلك الشجن العاصف بين الآهات والأدواء
ولنسر في بحر الحياة كما كنّا ونلقي المرسى على كل ساحل
ربما يا سفين نلقى ضياءيتجلّى بعد الظلام القاتل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
noon
مشرف عام
noon


ذكر
عدد الرسائل : 608
تاريخ التسجيل : 02/11/2007

من روائع نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع نازك الملائكة   من روائع نازك الملائكة Icon_minitime8/3/2008, 12:54 am

عند العشاق
--------------------
ربما كان في حياة المحبين رجاء أو دفقة من ضياء
ربما كان عندهم ذلك الإكسير بين الخيال والأهواء
شاطىء الحبّ أيها اللامع الخا دع هات الحديث عن أبنائك
صف مناهم وبشرهم وأساهم صف لنا ما اختفى وراء صفائك
صف لنا كيف يعصر العاشق الشو ق إلى من ينام عن بلواه
كيف يلهو به الخيال فيمضي الليل سهران غارقا في مناه
صف حياة الذي استبدّ به الحب فخال الحياة جّنة سحر
ومضى فاتحا ذراعيه للنور يصوغ الحياة ديوان شعر
يلثم الزهر في الحقول ويشدو لليالي الحصاد لحن هواه
راقصا كالفراش للقمر الحلو خليا من يأسه وأساه
راسما للغد الجميل من الأحلام ما لا تطيقه الأقدار
سادرا في أوهامه غير دار أن هذي الحياة هول ونار
في يديه كأس الرحيق يغنيه على مسمع النهار ويشرب
وعلى ثغره ابتسامة مخدوع يغّني له الشقاء فيطرب
ثم يخبو الضياء ذات مساء ويفيق النشوان بالأوهام
فإذا الحقل ذابل لا زهور لا فراش لا شيء غير الظلام
أين تلك الأحلام؟ كيف ذوى الحب؟ وأين الوجه الحبيب النضير
يا لغدر الأيام لم تحفظ العه د لقلب جنى عليه الشعور
وتمرّ الحياة والعاشق المهجور قلب دام ووجه شاحب
أبدا يرجع الخيال إلى الما ضي ويبكي على الغرام الذاهب
أبدا يرمق الحياة كئيبا من وراء الدموع والأحزان
ويراها الذئب الذي ينهش القلب ويقسو على الأسى الإنساني
أبدا يسأل الظلام حزينا شارد الفكر أين ألحان قلبي
أين زهري وأين بلبلي المنشود؟ ماذا أضاع أحلام حبّي؟
أين تلك التي سكبت عليها من حياتي ومن فؤادي ولحني
أين تلك العيون تلهم أحلا مي وتمحو غشاوة الحزن عنّي؟
يا لقلب المسكين تلذعه الذكرى وتحي غرامه وأساه
هكذا قد قضى عليه كيوبيد فماذا تفيده شكواه؟
فليجد في الخيال والشعر والذكرى دواء لحبّه المصدوم
وليقضّ الحياة بين حقول القمح والقطن تحت ضوء النجوم
وليحبّ الغيوم والفجر والنهر ويمضي الأيّام بين التلال
يتغّنى فيعشق الزهر موسيقاه عند الهوى وفوق الجبال
فحياة الخيال أجمل من واقع حب ملفّع بالرماد
وهنا يا مصدوم حرّية الروح فماذا يغريك بالأصفاد
سل كيوبيد عن شقاوة صرعاه وماذا يلقون من تعذيب
كيف يحيون في جحيم من الشكّ ليل من الضنى والشحوب
إن قضت بالحرمان أيّامهم عاشوا حزانى معذبين حيارى
يشتكون الأقدار والزمن العاتي ويحيون أشقياء أسارى
وإذا ما تحقق الحلم العذب أشاحوا عن سحره كارهينا
ويعود الضياء ليلا دجّيا تعود الأزهار شوكا وطينا
هكذا يخمد الغرام وتخبو شعلة الحب والمنى والحنين
فالسعيد السعيد من دفن الحبّ وعاش الحياة غير سجين
يا دموع العشّاق قد شبع العالم بؤسا فلا تزيدي أساه
قد ملأنا الكون الجميل دموعا وشبعنا من صمته ودجاه
فانضبي أنت حسبنا شجن العيش وبلوى الحياة والأيام
حسب هذي الأرض الكئيبة دمع البائسين الجياع والأيتام
انضبي واطردي خيال كيويبد وحسب الغرام هذي الضحايا
لن ينال العشّاق يوما سوى أدمع حبّ حفّت سناه المنايا

قيس وليلى
-----------------------------------
كيف مات المجنون؟ هل سعدت ليلى؟ سلوا هذه الصحاري الحزينة
اسألوها ما حدّث الريح قيس الأمس ليلا وكيف عاش سنينه
ذلك الشاعر الشريد الخياليّ صديق الظباء في الصحراء
ونجّي الرمال والوحش والبيد وطيف الشحوب والأدواء
سحق الحبّ قلبه المرهف الغضّ عاش الحياة دون مقرّ
فوق تلك الرمال ينشد أشعار هواه لكل هوجاء تسري
راسما فوق صفحة الرمل ما كان من الشوق والأسى والحنين
لاثما كلّ موضع خطرت ليلى عليه في ماضيات السنين
يوم كانت ترعى الشياه ويرعى قيس أغنامه فتشدو ويشدو
وتدوّي باللحن تلك الرمال السمر حيث الظباء تلهو وتعدو
يوم كانت يا لهفة الشاعر العاشق ماذا قد أبقت الأقدار؟
نضبت فرحة الصبا وذوى الوادي وجفت في رحبه الأزهار
وتبقّى قبر على قدم التلّ ذوت تحته معالم ليلى
وحنت فوقه شجيرة ورد تخذتها الأشلاء في القبر ظلاّ
وتبقّى قيس المعذّب يبكي ما تبقّى من عمره المصدوم
راقدا عند حافة القبر لا يفتأ يشكو إلى الصبا والغيوم
يتمنى ليل المنايا ويدعوه إليه بأعذب الأسماء
ويغنّي للموت اجمل ألحان هواه تحت الدجى والضياء
ثم جاء الصباح يوما وقيس في يد الموت ذاهل مصروع
ليس تبكيه غير تنهيدة الريح وصوت البوم الكئيب دموع
يا قلوب العشّاق حسبك حّبا واقبسي من مأساة قيس مثالا
هي هذي الحياة لا تمنح الأحياء إلا العذاب والأهوالا
خدعتنا بالحبّ والشوق والذكرى وما خلفها سوى الأوهام
عالم سافل يضجّ من الإثم ويحيا بين الهوى والظلام
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
noon
مشرف عام
noon


ذكر
عدد الرسائل : 608
تاريخ التسجيل : 02/11/2007

من روائع نازك الملائكة Empty
مُساهمةموضوع: رد: من روائع نازك الملائكة   من روائع نازك الملائكة Icon_minitime8/3/2008, 1:02 am

في أحضان الطبيعة
-----------------------------------
أيها الشاعرون يا عاشقي النبل وروح الخيال والأنغام
ابعدوا ابعدوا عن الحبّ وانجو أغانيكم من الآثام
اهربوا لا تدّنسوا عالم الفنّ بهذي العواطف الآدميّه
احفظوا للفنون معبدها السامي وغنوا أنغامها القدسيّه
قد نعمتم من الحياة بأحلى ما عليها وفزتم بجناها
يعمه الآخرون في ليلها الداجي وأنتم تحيون تحت سناها
اقنعوا باكتآبكم واعشقوا الفنّ وعيشوا في عزلة الأنبياء
وغدا تهتف العصور بذكراكم وتحيون في رحاب السماء
اقنعوا من حياتكم بهوى الفنّ وسحر الطبيعة المعبود
واحلموا بالطيور في ظلل الأغصان بين التحليق والتغريد
اعشقوا الثلج في سفوح جبال الأرض والورد في سفوح التلال
وأصيخوا لصوت قمرّية الحقل تغني في داجيات الليالي
اجلسوا في ظلال صفصافة الوادي وأصغوا إلى خرير الماء
واستمدّوا من نغمة المطر الساقط أحلى الإلهام والإيحاء
وتغّنوا مع الرعاة إذا مرّوا على الكوخ بالقطيع الجميل
وأحبوا النخيل والقمح والزهر وهيموا في فاتنات الحقول
شجرات الصفصاف أجمل ظلاّ من ظلال القصور والشرفات
وغناء الرعاة أطهر لحنا من ضجيج الأبواق والعجلات
وعبير النارنج أحلى وأندى من غبار المدينة المتراكم
وصفاء الحقول أوقع في النفس من القتل والأذى والمآثم
وغرام الفراش بالزهر أسمى من صبابات عاشق بشريّ
ونسيم القرى المغازل أوفى لعهود الهوى من الآدميّ
وحياة الراعي الخياليّ أهنأ من حياة الغنيّ بين القصور
في سفوح التلال حيث القطيع الحلو يرعى على ضفاف الغدير
حيث تثغو الأغنام في عطفة المرج وتلهو في شاسعات المجالي
وينام الراعي المغرّد تحت السّرو مستسلما لأيدي الخيال
في يديه الناي الطروب يناجيه ويشدو على خطى الأغنام
مستمدّا من همس ساقية السفح لحون الشباب والأحلام
آه لو عشت في الجبال البعيدا أسوق الأغنام كل صباح
وأغنّي الصفصاف والسرو أنغامي وأصغي إلى صفير الرياح
أعشق الكرم والعرائش والنبع وأحيا عمري حياة إله
كلّ يوم أمضي إلى ضّفة الوادي وأرنو إلى صفاء المياه
اصدقائي الثلوج والزهر والأغنام, والعود مؤنسي ونجّيي
ومعي في الجبال ديوان شعر بقريّ لشاعر عبقريّ
أتغّنى حينا فتصغي إلى لحني مياه الوادي ومرتفعاته
وأناجي الكتاب حينا وقربي دهد شاعر صفت نغماته
وخرير من جدول معشب الضفّة يجري إلى حفاف الوادي
وثغاء عذب من الغنم النشوى وهمس من النسيم الشادي
آه لو كان لي هنالك كوخ شاعريّ بين المروج الحزينه
في سكون القرى ووحشتها أقضي حياتي لا في ضجيج المدينه
ليتني من بنات تلك الجبال الغنّ حيث الجمال في كل ركن
ليتني ليتني وهل تبعث الأحلام إلا الدموع في كلّ عين
قدّرت لي السنين أني هنا أقضي حياتي قلبا رقيقا شجيّا
في ضباب الخيال أمشي وحولي الم للغنى يموت ويحيا
قد أحبوا أيامهم وتمّردت عليها فعشت في أحلامي
إن أكن قد ولدت في هذه الضجّة فلألتجيء إلى أوهامي
ولأعش في الخيال حيث تهيم الروح بين المروج والقطعان
هكذا تهدأ الأماني إلى حين وتخبو مرارة الأحزان
هكذا أدفن الطموح كما يدفنه كلّ طامح بشريّ
وعيون الأقدار يضحكن مني ازئات بضعفي الادميّ
ياعيون الأقدار لا ترمقي دمعي ولا تهزأي بقلبي الحزين
إن يكن في دمي طوح نبيّ أسى اليائسين ملء عيوني
كان هذا الطموح لعنة أيّامي فيا ليتني عصيت هواه
كلما حّقق الزمان لقلبي لما صورت حياتي سواه
لست أدري ماذا سيجنيه قلبي من شرودي في كل أفق ونجم
أبدا أرتقي النجوم وأرنو لمجاهيل عالم مدلهّم
لست أدري شيئا أنا اليأس يا أرض وأنت ابتسامتي ودموعي
أنت وحيي ومنك تنبع أحلامي, وإن كنت في حماك الوضيع
إرفعيني إلى السماء إذا شئت بوحي من سحرك الشاعريّ
وأعيدي مني إذا شئت للطين فتاة تبكي على كل حيّ
أضحكيني وأطلقيني ورقاء غني بحسنك الفّتان
أو دعيني أبكي على أشقياء الأرض بين الحنين والحرمان
ضاع يا أرض فيك معنى الأماني وتبقّى الشقاء والأكدار
وخبت في كآبة الموت أصوات الأغاني واستسلم القيثار
فعلام العزاء والأمل الموهوم في حومة الدجى المدلهمّ
ولم الأشقياء يخفون بلواهم ويحيون في خداع ووهم
قد وصفت الشقاء في شعري الباكي وصوّرت أنفس الأشقياء
وشدوت الحياة لحنا كئيبا يس في ليله شعاع ضياء
فأثارت كآبتي عجب الناس وحاروا في سرّها المجهول
ما دروا أنني أنوح على مأساتهم في ظلامها المسدول
أنا أبكي لكل قلب حزين عثرت أغنياته الأقدار
واروّي بأدمعي كلّ غصن ظامىء جفّ زهره المعطار
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من روائع نازك الملائكة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مالىء الدنيا وشاغل الناس .. المتنبي ... روائع
» من روائع بدر شاكر السياب
» من روائع محمود درويش
» روائع الشاعر اللبناني سعيد عقل
» روائع بين جمال وعقل وقلب المرأه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الأجنحة الحرة :: الجناح الأدبي :: روائع الشعر العربي-
انتقل الى: