نديم محمد
ولد في قرية عين شقاق بقضاء جبلة عام 1909م، تعلم القرآن طفلاً وتلقى تعليمه في تجهيز "الغرير" باللاذقية عام 1921 وفي جبلة 1922 وحصل على الشهادة الابتدائية عام 1925 وتعلم في "اللاييك" ببيروت عام 1926 ثم أرسله أبوه على حسابه إلى فرنسا عام 1927 وبعدها إلى بيرن السويسرية لدراسة الحقوق، ولكن القنصل الفرنسي يستدعيه ثم يتلقى الشاعر عقب ذلك إنذاراً من السلطات السويسرية فيعود إلى سورية عام 1930.
في عام 1933 تبدأ حياته الوظيفية فعين كاتباً في محكمة الصلح المختلطة باللاذقية ثم يتقلب بين نقل وتعيين إلى أن يسرح من العمل سنة 1951.
إثر وفاة أبيه 1945 وأخيه توفيق 1948 يصاب بداء السل فيتلقى العلاج في مصح "بحنس" اللبناني
يعاد إلى العمل بعد سنوات من تسريحه فيعين رئيساً للمركز الثقافي بالحفة ثم يتعاقد مع وزارة الإعلام بصفة خبير ثقافي.توفي في 17/1/1994 ومنح وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى في 25/9/1994م.
من أبرز أعماله:
آلام
فراشات وعناكب
من خيال الماضي
براعم ربيع وورود خريف
آفاق
ألوان
غربة الحس
صمت الرعود
...................
مدخل إلى "آلام" نديم محمد
(وهو عنوان الديوان الذي نحاول أن نلقي بأناشيده هنا )
نديم محمد .... صوت مفطور على الألم، يملآ النفس ويزحم المشاعر يقيناً موجعاً، رقراقاً معاً بأنه يتنفس الفجيعة والخيبة والكبرياء في كلمة يتناولها، يصطادها، ينحتها، يلتقطها من التداول الشعبي ويدخلها فضاءه الشعري الرحيب.
نديم محمد .. نبع دفاق بالحزن والترفع والرهافة يجعل منه شاعر الألم بامتياز، هذا الألم ـ المهنة ينبثق من أعماقه ، من تجربته الشخصية الضاربة جذورها بعيداً في أغوار طفولته، ولايزداد إلا احتداماً وعمقاً مع مرور الأيام واتساع الخبرة والاحتكاك بالحياة.
هو واحد من أولئك الشعراء الذين يضرم شعرهم فيك النار كلما عدت إلى قراءتهم، وكأنك تقرؤهم لأول مرة، فشعره ـ ولاسيما ديوانه (آلام) ـ لايذبل رونقه وتخمد شعلته ولا يكل بريقه، لاتستنفده القراءة ليصبح مكروراً، سهلاً بل هو يستوقفك دوماً بقوته وابتكاره وعمقه وحرارته ، ويعيدك بمشاعره ويبهرك برهافة عبارته وصوره، حيث يمتزج الشخصي بالوطني، والخاص بالعام إلى حد يجعل من رومنسيته المتأخرة عالماً يمور بالأسى والتنبؤ واللوم والتشكي من أنباء زمانه وقيمهم وتقاليدهم ونقائضهم في التعامل مع الذات والآخر والوطن والموروث.
شاعر لايهادن: كبرياء بلا ضفاف، وعزة نفس يهون دونها كل شيء! ذاك هو نديم محمد، حيث يصدق فيه قول المتنبي:
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام
يبقى نديم محمد كوكباً متميزاً في مجرة أبناء جيله ومعاصريه الشعراء الكبار (بدوي الجبل، عمر أبو ريشه، نزار قباني ....)الذين ختموا ملحمة القصيدة العربية الكلاسيكية في القرن العشرين.
ضم ديوانه "آلام" الذين نحن بصدد تسجيل قصائده هنا اثنين وعشرين نشيداً سنحاول أن نجعلها في متناول قراء ومحبي الشعر ومتذوقيه.
آملين تقديم الفائدة للجميع والمعرفة لكل من يبحث عنها.
.........................
النشيد الأول
هبّ من وحشة السنين غرامي وأفاقت من غفوها آلامي
أي ذئب مهمهم الشدق في صدري وسهم ممزق وضرام
هدرةٌ في جراح نفسي وجوعٌ ينهش الحس بالنيوب الدوامي
وتفح الأوجاع ملء ضلوعي كالثعابين في الرمال الظوامي
فدعوني أعصر من الخمر في جرحي فينشى بالخمر جرح غرامي
أتركوني أطفئ بنيرانها الخضراء ناراً مشبوبة في عظامي
أتركوني لليل للخمر للدمع لشهق مرّ وموت زؤام
أتركوني أطعم شعوري من الحزن وحبي فالحزن كل طعامي
أنا طيف الشقاء يرجمني الكون بلحظ البغضاء والانتقام
أنا كالإثم يرقصون على لحني ويصمون مهجتي بالسهام
أنا مالذرة الحقيرة لا أملك أمري في المهمه المترامي
أنا كالقتل في شريعة موسى وأنا كالجحود في الإسلام
أنا مشروع صورة خطها المبدع بين الإقدام والإحجام
قبعت في الظلام آمالي الزهر وضلت سبيلها أحلامي
أين زهو الشباب أين لعابي أين لهوي بل أين اين ابتسامي؟
مات في نظرتي البريق وجفت في لهاتي مخضوضلات الكلام
يا رفيف الشعام في شفة النرجس يا غفوة الندى في الكمام
يا رجائي البكر المطهر ياعذراء حلمي يا فوق كل مرامي
بالذي لونت شفاهك يمناه وسواك فتنة للأنام
بالفتون المخضوب في خدك الأحمر ندي بالعطف حر أوامي
وأذني لي أمسح بكفي كفيك بخوف وذلة واحتشام
ومريني أنشد بحسنك أشعاري وأرفع إليك نجوى هيامي
وعديني برشف ثغرك في الحلم فقد يسعد الفتى في المنام
*****
ما لهذا الهوى يمزق أوصالي ويفري جوانحي كالحسام
ويمج اللهيب في كبدي الثكلى ركاماً ينهدّ فوق ركام
فأغنيه من دمي ويغنيني من السحر أوجع الأنغام
ما أبالي شحوب لوني وضعفي ونحولي ورقتي وسقامي
ما أبالي ضحك العواذل من شيبي وعجزي ورعشتي في الزحام
وخمودي سكران في مطلع الفجر على الشوك والحصى والحطام
أيها المشفقون
لا تلمسوا الكبر بنفسي
فتقصروا أيامي
ليس في همتي وإن وهن العظم سوى البأس والقوى والعرام
اجمعوا أمركم على جرح إحساسي وكدوا الأجلاد في إيلامي
واحذروني فربما انتفض الشر بثوبي وهاج بي إجرامي
أنا مسخ الزمان لولا الهوى العاني ووحش القلوب والأجسام
أين أمس الشهوات والرجس والفحشاء والفسق والخنى والحرام
رب طهر سقيت من دمه الليل وعهد خفرته وذمام
الضحيات في الخيام وفي القصر ورائي لمن يرى وأمامي
كم شفاه أخذت منها وأعطيت ففي ذمة الصبي آثامي
كنت قبل الهوى سماء من الأفكار تندى بالوحي والإلهام
فإذا بي أكاد لا أعرف النطق ولا كيف مسرحي ومقامي
تهت في النور ضعت بين رفاقي حرت حتى في ضجعتي وقيامي
أينما سرت
فالشقاء على دربي
وعض الجراح
في أقدامي
لا فؤادي يعي ولا خاطري يصحو ولا أنت تقصرين ملامي
أفيرضيك أن يحطمني اليأس وألقي في كل يوم حمامي؟
وجميل أن تأخذي بيميني للخطايا وترجعي بسلام؟
يا ابنة الأكرمين
لم يكتب الله على الأشقياء
وزر الكرام
خنت من أجلك المودة والقربى وعفرت عزتي في الرغام
فازدريني واستهزئي من بكائي واقذفيني بالموبقات الجسام
غير خاف على العيون اتضاعي وخشوعي لديك واستسلامي
لم يدع لي هواك فضلة رشد لضلال أو بارقاً لقتام
ضرّج الفجر عُريه بشهاقي واستحم الدجى بدمعي الهامي
وتشظت في رهبة السهد آهاتي وفتت جذواتها في جامي
فاتركيني أعقر شبابي على الكأس وأهرم قبل ارتداد الظلام
أرأيت الغلام
يهمس في سمعي
إلى الحان
آخذاً
بزمامي
.................. ولنا لقاء مع بقية الأناشيد.....................
مع تحيات noon