الزواج السياسي......... شهوانية السلطة وشبق الأنظمة
ما أجمل قطاف تلك الثمرة (الزواج) بعد أيام وشهور وربما سنوات من الحب والمعاناة والسهر والشوق والشغف، ما أجمل تلك المؤسسة عندما تقوم على فكرة الخلق، فتبدع أسرة تكون بحق نواة مجتمع فاضل، وما أروع ذاك الاتحاد الروحي والمادي الذي يجب أن يأخذ مؤسسوه باعتبارهم أنه نواة مشروع وطني يقوم على النهوض بالأسرة والمجتمع نحو عالم من الرفعة والسمو لتحقيق حياة كريمة سعيدة لأبناء أسرتهم ومجتمعهم ووطنهم.
لن ندخل في الرؤى الكلاسيكية والرمزية والرومانسية للحب والزواج، ولن ندخل في ديمقراطية الحب التي أشاعت وصدّرت ثورة الجنس وخاصة في ظل ثورة الاتصالات المنفلتة من القيود، كما أننا لن نعرج على منعكسات الثورات بمختلف تياراتها واتجاهاتها ودورها في تقريب المسافة الفاصلة وردم الهوة بين الذكورة والأنوثة، بقدر ما نتناول مفهوم مصطلح الزواج السياسي ومنعكسه وخطره، ضمن سياقه الاجتماعي والسياسي مع تقديم النموذج الفاعل والحي لهذه الظاهرة من واقع محيطنا العربي بوجه الخصوص.
هناك أسماء عربية كثيرة في تاريخنا العربي المعاصر والحديث دعموا شعبيتهم السياسية من خلال الزواج القائم على المصلحة، ولدينا في سورية ولبنان أمثلة كثيرة على هذا النوع من الزواج على المستوى السياسي بين شخصيات لبنانية وسورية ساهمت ربما إلى حد ما في التقليل من حملات الحقد والكراهية التي تم تبادلها بين ساسة البلدين خلال فترات متقطعة من تاريخ العلاقات السورية اللبنانية وخصوصاً في الفترة الأخيرة، فقد اقترن رائد الاستقلال رياض الصلح من أسرة حلبية عريقة في جذورها الاجتماعية (الجابري)، كما صاهر الراحل صائب سلام عائلة مردم بك الدمشقية، وتقي الدين الصلح من العائلة الإقطاعية والسياسية المعروفة آل البرازي في حماه، وربما نتذكر زواج الراحل ياسر عرفات من سكرتيرته المسيحية (سهى) رغم الفارق العمري بينهما وربما لدعم الوحدة الوطنية الفلسطينية آنذاك، وهناك الكثير من الأمثلة في تاريخ السلطة الحاكمة في وطننا العربي، وخاصة بعد ثورة النفط وامتلاء الجيوب، حيث ساهم الثراء والثروة والترهل السياسي من جهة والفحولة ـ حسب المفهوم الشرقي ـ من جهة أخرى ليكون عاملاً أساسياً في البحث عن زيجات سياسية تساهم في تكريس الحكم وتوطيده، وربما لاحقاً ـ وهو ما يجري الآن في قطر ـ الوصول إلى مفهوم المرأة الحاكمة والمسيطرة!
زواج اليمين واليسار، الشيخة موزة أنموذجاً:
ربما غاب عن ذهن الشيخ خليفة أن زيارته إلى أوروبا في رحلة استجمام في السابع والعشرين من شهر حزيران في عام 1995م سوف تكلفه عرش الإمارة، وسوف تكلف قطر مزيداً من الاعتقالات وخاصة ضمن العائلة الحاكمة وأقرب المقربين له، ولم يكن يعلم مقام الشيخ أن ولده الذي قبّل يديه في المطار مودعاً سيكون الوداع الأخير بدون رجعة، وأن هناك خطة مرسومة ومدروسة بدقة متناهية للإطاحة به على يد ولده الأمير البار!
ولقد جاء تعيين ولي العهد جاسم (ابن الشيخة موزة) وتنحية بقية أولاد الشيخ من زوجاته الأخريات لينكشف النقاب عن مؤامرة مدبرة حاكت خيوطها إمرأة غاية في المكر والدهاء ـ ينطبق عليها قول الإمام علي كرم الله وجهه: " لاتطيعهن في المعروف فقد يطمعن في المنكر " ـ رسمت وخططت وعرفت ماذا تريد، فكان لها ذلك، وربما حققت ما لم يستطع والدها تحقيقه، لكن مساعي الشيخة موزة وما قامت به ـ حسب رأي الدكتور أسامة فوزي في كتابه "حكام ونسوان" سوف تصطدم بحقائق التاريخ، بخاصة وأن المشيخة بتكوينها الحالي لم تكن أكثر من " غلطة " من غلطات التاريخ … تداخلت فيها فضائح أخلاقية ومالية وجنسية وصراعات على النفوذ بين أفراد العائلة الواحدة وغدر بالمحارم، كما يرى الدكتور أسامة أن الشيخة موزة نفسها كانت ضحية لصفقة مالية وسياسية بين أبيها ناصر المسند والحاكم السابق خليفة فقد كان ناصر المسند من أهم المعارضين للحكم وتزويج ابنته من ابن الحاكم تم عبر صفقة سياسية تخلى بموجبها المعارض عن معارضته في مقابل نفوذ من نوع خاص لم يكن الشيخ خليفة نفسه يتوقع أن يتطور إلى درجة تصبح فيها العروس الضحية الصفقة " موزة " هي الحاكم الفعلي في قطر والعقل المدبر لعملية انقلاب أبيض أطاح بالشيخ الأب خليفة بل وأطاح بأولاد زوجها حمد من زوجاته الأخريات، وسيطيح لاحقاً بالأمير حمد نفسه، وربما ستكون الشيخة موزة نموذجاً لبقية "نسوان" الخليج.
نعم لقد غاب عن ذهن الشيخ خليفة أن توطيد حكمه القائم على تسليم مفاصل الدولة لأولاده أن الضربة ستأتيه من حيث لا يحتسب، ومن من؟ من ابنه البكر تحديداً وأفشل أولاده دراسة الأمير الحالي حمد، الذي لم يستطع تكميل تعليمه، لانشغاله بأمور اللهو والمجون أثناء إيفاده للدراسة.
لقد شكل زواج الأمير القطري الأخير من الشيخة موزة المسند انقلاباً حقيقياً في تاريخ قطر عموماً، والمشيخة على وجه الخصوص، فكانت الزواج السياسي "الصفقة" بين آل خليفة و آل المسند صفقة سياسية بالدرجة الأولى تهدف إلى وضع حد لطموحات آل المسند الذين يشكل جناح المعارضة القوية في قطر قبل الزواج، ولم يكن الشيخ خليفة يتخيل أن ابنة خصمه ناصر المسند الصغيرة الجميلة "موزة" يمكن أن تدق المسمار الأخير في نعش خليفة نفسه ، كما بدأت الشيخة بعد تلك الصفقة برسم معالم طريقها نحو الاستيلاء على السلطة في قطر وتسيير أمور الإمارة في الداخل والخارج، وأدارت من وراء الستار سياسة الانقلابات على المشيخة وعلى آل خليفة عموماً خاصة وأنها وجدت في زوجها الأمير رجلاً لايفقه في السياسة ولا في إدارة شؤون البلاد، وانتقلت بذلك الشيخة الموقرة من هامش العائلة الذي كان مرسوم لها إلى متن العائلة لتصبح فيما بعد الآمرة الناهية في إمارتها وقد ساهم في تقوية نفوذها وزير خارجية الأمير آنذاك ورئيس الوزراء الحالي الشيخ حمد بن جبر آل ثاني.
لقد أفصح ذاك الزواج "الصفقة" عن الكثير من فضائح وأسرار الحكم والمشيخة في قطر في علاقاتها سواء في محيطها العربي أو الدولي، فعائدات النفط تذهب بالكامل إلى حساب شخصي باسم الأمير، كما تبين أن للأمير حصة معلومة ومحددة جميع الشركات والمؤسسات العاملة في المشيخة، وإذا كانت الشيخة موزة قد نجحت في تنصيب ابنها جاسم وليا للعهد …إلا أن هذا لم يمنعها من تطوير علاقاتها ودورها في أوساط الأسرة الحاكمة حتى تضمن المشيخة لابنها بعد وفاة زوجها الذي يعاني من انهيار كلوي، لذا فتحت الشيخة موزة نافذة على واشنطن للحصول على ضمانات أمريكية بدعم الحكم الحالي سياسياً وعسكرياً من خلال الوجود العسكري الأمريكي في قطر، والآن تمثل قاعدتا العديد الجوية والسيليه أكبر قاعدتين أمريكيتين في المنطقة ومنهما تم التوجه والانطلاق لغزو العراق وتدميره ،وسبقت الشيخة ابنها الصغير في أول زيارة قام بها إلى أمريكا بعد أن تولى ولاية العهد وقيل يومها أن الشيخة تحاول أن تقدم نفسها كشيخة خليجية متحررة ترتدي الكاوبوي وتخرج دون محرم و لا تضع العباءة والنقاب، لكن كما أسلفنا في البداية من أن تاريخ قطر والمشيخة على وجه الخصوص يقوم كله على الانقلابات والخيانات والغدر بالمحارم والأقارب، إلا أن ما فعله الشيخ حمد جدير بأن يدخل التاريخ كنموذج للشهوانية وشبق الحكم، ومما يثير الدهشة أن محطة "الجزيرة" القطرية ـ ذات الحضور الواسع والمصداقية العالية ! ـ لا تشير من قريب أو بعيد إلى مشيخة قطر والفضائح السياسية والعائلية التي ترتكب في هذه المشيخة، بل ولا تتم الإشارة إلى تاريخ مشيخة قطر القائم على الغدر وخيانة المحارم .
قد يرى البعض أن أسباب المصاهرة بين الأسر الحاكمة تُسهم في تعزيز العلاقات بين هذه الدول، وهي ليست بالاستراتيجية الجديدة، وخصوصاً أن التاريخ السياسي للعرب والعالم مليء بالزواج السياسي الذي أدى دوره بوصفه وسيلة اجتماعية لتحقيق أهداف ومصالح سياسية، مثل محاولة حصر امتيازات السلطة فيما بين الأسرة الحاكمة أو محاولة الاستيلاء على السلطة أو كسب ود بعض الدول المجاورة، لكن المثال القطري تجاوز حدود هذا الدور أكثر مما عرفه التاريخ الاجتماعي والسياسي لمثل تلك الزيجات، وستدخل دول الخليج العربي مستقبلاً في إحدى جوانب الصراع "النسواني" بعيداً عن صراع النفط والطاقة والحدود! أو في صراع إعادة صور "الرشيد" وسوق الجواري إلى العواصم الخليجية!
نون ـ البعث ميديا