فن القراءة
تعتبر القراءة أو بالأحرى التمتع بالكتب من مباهج الحياة المثقفة، ومن السهل علينا مقارنة حياة الإنسان الذي لا يقرأ على الإطلاق وحياة ذلك الإنسان الكثير القراءة. فالإنسان الذي لايألف القراءة يكون سجيناً في عالمه وحياته مجموعة من التصرفات الرتيبة يحددها عن طريق الاتصال والتحدث لمعارفه وأصدقائه ، ولكن ما أن يمسك هذا الرجل بكتاب حتى يدخل على الفور عالماً مختلفاً.
القراءة تضفي على الإنسان شيئاً من السحر والنكهة، وهما هدف القراءة وغايتها. ولاشك في أن مثل هذه القراءة الهادفة هي التي تعتبر فناً، ولايهدف الإنسان من القراءة لتحسين تفكيره، فمجرد الشروع في التفكير على هذا النحو تفقد القراءة كل متعة لها، من هذا المنطلق يرى الشاعر الصيني "هوانج" أن القراءة الهادفة إلى تنمية سحر الإنسان في مظهره، ونكهته في حديثه، هي الطراز الوحيد المقبول من القراءة. و لاشك في أن وجود هذه النكهة أو انعدامها يعتمدان على طريقة الإنسان في القراءة، فلو كان القارئ قادراً على استخلاص ما في الكتب من نكهة، فإن هذه النكهة تظهر في أحاديثه، كما لايستطيع إلا إبرازها فيما يكتبه.
وعلى هذا الأساس، يمكن اعتبار النكهة أو الذوق القاعدة في كل قراءة، ونعرف جميعاً أن الذوق قضية عامة، أي مسألة انتقاء فردية، كما هو الحال بالنسبة للطعام، فالإنسان يأكل ما يحب، ولا فرق بين القراءة والأكل.
وقد تكون قراءة نفس الكتاب في أوقات مختلفة تنوع في النكهة، بمعنى أن قراءة الكتاب في سن الأربعين تختلف عن قراءتنا له في سن العشرين، ويعود ذلك لمرور المرء بالمزيد من التغيرات في حياته يتغير معها نمط تفكيره وتأمله. فقد تغيرت قراءتي لمسرحيات شكسبير عندما تناولتها كمقررات دراسية في الجامعة، عن قراءاتي لها فيما بعد، وكما أسلفت يعود هذا الأمر للنضوج الفكري الذي يمر به الشخص وتوسع مدارك القارئ من جهة أخرى.
ولايمكن إغفال علاقة القارئ بالمؤلف، فاكتشاف الإنسان للمؤلف الذي يؤثره من الأحداث المهمة للغاية في تطور الإنسان الفكري، فهناك ما يسمى بالتقارب بين الأرواح، وعلى المرء أن يكتشف بين الكتاب ،قديمين كانوا أم محدثين ، الذين تتشابه روحه معهم، وعلى المرء أن يكون حراً في اختيار الكاتب الذي يعجبه. فاختيار الكاتب كالحب من النظرة الأولى، إذ أن الإعجاب بالكاتب إحساس غريزي. لاشك إذاً في أن القراءة النافعة هي التي تتمثل في اكتشاف القارئ للكاتب الذي يؤثره، فالأمور تسير على مايرام، كما تسير عند العاشق الذي يحب معشوقته من النظرة الأولى، لأنها تمثل عنده النموذج في وجهها ولون شعرها وطولها وصوتها وحديثها وابتسامتها.
لابد بعد هذا من طرح التساؤل التالي:
ما هو الفن الصحيح في القراءة؟
ببساطة يمكن الرد على هكذا تساؤل، هو أن يحمل الإنسان كتاباً ليقرأه عندما يكون مزاجه مستعداً للقراءة. ولا شك في أن القراءة التلقائية هي أكثر القراءات مدعاة للمتعة، وقد يحمل المرء كتاب أشعار نزار قباني أو بدوي الجبل أو أحمد شوقي ....إلخ، ثم يسير جنباً إلى جنب مع حبيبته على شاطئ النهر يقرأ لها، وإذ حدث وكانت السحب الجميلة تظلهما وتمشي معهما ففي وسع العاشقين أن يتركا الكتاب وأن يركزا قراءتهما في السحب، أو يجمعا بين قراءة السحب والكتاب.
*** المرجع: كتاب "كيف يحيا الإنسان" تعريب وتعليق خيري حماد ـ بيروت.