فن الكتابة
قبل كل شيء يجب على المبتدئ في الكتابة والذي يتطلع لارتقاء سلم الأدب والكتابة أن يبعد عن نفسه أي شعور بالقلق والخوف من أسلوب الكتابة، وأن يتوقف عن الاهتمام بالقضايا المصطنعة، وأن يغوص في أعماق روحه لينمي شخصية أدبية له تعتبر أساساً في كل تأليف . وبمجرد يتم وضع الأساس وخلق الشخصية يأتي الأسلوب كنتيجة طبيعية ويستقيم مع الزمن. وقد لايهم كثيراً إذا ما عني المبتدئ بدقائق البلاغة وقواعد اللغة شريطة أن يتمكن من خلق شيء صالح، وهناك قراء محترفون يعملون في دور نشر ومهمتهم تشكيل الكتابة وتنقيطها، يضاف لذلك أن المعرفة بقواعد اللغة لاتخلق الأديب بقدر ما تخلقه شخصيته الأدبية.
ـ الأسلوب والشخصية:ليس هناك أسلوب أو تقنية محددة للكتابة، وليست التقنية في الكتابة بالنسبة للأديب إلا التزمت بالنسبة للدين، وكثيراً ما يصاب المبتدئ بالذهول من مناقشة تقنيات العمل الأدبي وهو لا يتبين أن لاشأن لتقنية الكتابة بولادة أي كاتب عظيم.
ـ الإعجاب بالأدب:بعد توافر التجارب الواسعة للمبتدئ في القراءة ومحاولته ارتقاء سلم الكتابة وذلك عندما يكون قد تذوق جميع نكهات القراءة وأصبح بمقدوره تمييز الغث من السمين في الأدب. ولعل القاعدة الأولى بالنسبة لطالب الأدب هي تعلم التمييز بين مختلف النكهات.
ـ الأسلوب والفكر:تعتمد جودة الكتابة أو رداءتها على ما فيها من سحر ونكهة، وليست هناك أي قواعد للسحر، لأنه ينبع من كتابة الإنسان كما يتصاعد الدخان من الموقد دون يعرف الجهة التي سيتجه إليها.والأسلوب مزيج من اللغة والفكر والشخصية. وكثيراً ما يحاول الإنسان المبتدئ أن يصبغ أسلوبه بأسلوب الكاتب الذي يتعشقه، فهو يحاول أن يقلده في طرائق تفكيره وطرائق تعبيره ولعل هذه هي الطريقة الوحيدة لتنمية الأسلوب عند المبتدئ.
كما يجدر بالقارئ عندما يتطرق لدراسة موضوع معين، أن يشرع في قراءة الكتب التي تتناول ذلك الموضوع من زاوية أخرى، كي يكتشف تباين وجهات النظر في نفس الموضوع، وهنا لايقبل القارئ أو المبتدئ في الكتابة أي نفاق أو تصنع، ويصبح أكثر استعداداً لقراءة الكتاب الذي يعالجون الموضوع من زاوية ودية، وبهذه الطريقة يمكن تنمية العقل الناقد.
هناك منجمان (منجم) للغة، أحدهما قديم والآخر حديث، ويكون الأول في الكتب، بينما الثاني في لغة الناس العاديين، ويبحث بعض الأدباء عن الكلمات في المناجم القديمة والبعض ، وهم قلائل، قادرون على استخلاص شيء من المنجم الجديد، وتكون الخامات في المنجم القديم مستصنعة أما في الجديد فتكون بحاجة إلى تكرير وتصفية، أي أنها لم تصنّع بعد.
هناك فترة مخاض للأفكار تسبق الكتابة وعندما يتمكن الكاتب من وقد الشرارة في روح قارئه ليدفع إليه بتيار من الأفكار الحية، فإن هذه الحالة تشبه حالة الحمل.
من هنا فإن حدة القلم تزداد بالمراس والتجربة كمخرز الإسكافي الذي يتحول بصورة متدرجة إلى إبرة للتطريز، ولكن أفكار الإنسان تصبح أكثر اتساعاً يوماً بعد آخر.
*** المرجع: كتاب "كيف يحيا الإنسان" تعريب وتعليق خيري حماد ـ بيروت.