الأطفال في رحاب الأهل
إن العلاقة المتبادلة بين الأسرة والمجتمع هي أشبه ما تكون بالحلقات المتداخلة حيث الحلقة الصغرى تضم الأهل والأقارب، بينما تشمل الحلقة الكبرى نواحي الحياة الأخرى التي تضم التواصلات المتشابكة والتي تتمثل في رياض الأطفال، والمدارس ووسائل النقل العامة وفي الشارع، بالنسبة للأطفال وفي المصنع وفي المعاهد وأماكن مختلفة بالنسبة للكبار.
إن الحق الذي تستوجبه القرابة الخاصة هي ما يمكن أن نسميه الرعاية،والاهتمام الخاص، وهي التصورات الأولى عن الاحترام والواجب. وباختصار العائلة هي نموذج مصغر المجتمع، وضمن هذه الخلية الاجتماعية توجد أكثر المعايير أهمية للعلاقات البشرية المتبادلة، وقد لاتوجد. من هنا فإن كل ما يجري ضمن العائلة له علاقة بالعالم، فأصغر الأمور التي لا نلاحظها مباشرة ستظهر عاجلاً أم آجلاً في السلوك، في التقييمات وفي الاحتكاك مع الآخرين، ويشمل هذا الكبار والصغار على حد سواء .
والطفل، هذه النواة أو الخامة الأولية، هو في الحقيقة على خط أهله، حيث يحمل في داخله الروح الحقيقة لأسرته، فإن كانت هذه الروح صادقة، فسوف تساعده على العيش وسط الآخرين، أما إذا كانت غير صادقة فسوف تعيقه في حياته . والأسرة معنية بمساعدة طفلها على مواجهة الحياة أو أن تضع طفلها على هامش الحياة. لكن لايعني هذا أن كل المبادئ بدون استثناء، فغالباً ما يحدث أن لايصمد المعيار العائلي الصادق أمام اختبار الوسط الذي يربى فيه الطفل، وهنا يجب بذل المزيد من الجهد لتصحيح ما تشوه وحذف ما ليس ضروري، فالأمور نسبية إلى حد ما. والحقائق في معظمها تحتاج لمزيد من التكرار لتبت مصداقيتها، فهي كالأوتار التي يجري اختبار قدرة تحملها وقدرتها على التحمل.
تشكل فكرة التسامح الأساس في العلاقات العائلية، وهذا ما يجب أن يتحلى به الأزواج إذ أن عدم القدرة على ضبط النفس والتفاهم مع الإنسان الآخر القريب منك، سيؤدي إلى الفراق والانفصال وإلى تيتم الأطفال وتربيتهم من قبل النساء فقط، وهذا ما يخل بمسألة التوازن. وسيكون هناك ضغط مكثف على الزوجة وهي قد تكون بحالة نفسية غير مستقرة نسبياً، فعندما تأخذ المرأة الكثير على عاتقها، فإنها أحيانا لاتفكر أبداً بأن الأفضل من بين هذا الكثير يمكن أن تنساه، بحيث يؤدي ذلك لتحطيم الأسرة.
الأطفال هم العيون التي نرى بواسطتها، وهم الآذان التي نسمع بها، إنهم تكرار لفضائلنا وذواتنا، إنهم يملكون العالم من خلال رؤيتهم لنا، فهم لايصغون إلى أي شيء عندما يسمعوننا.
فالأهل الذين يوفقون بين كلامهم وعملهم على مرأى من الأطفال، سيحصلون على نتائج إيجابية في تربية أطفاله، أما إذا كان الإنسان البالغ يفعل عكس ما يقول، فإن العقاب لن يجدي نفعاً بعد فوات الأوان. حيث لاتوجد قوة يمكنها غرس الحقيقة من غير أن تقترن بالفعل، اقتران الكلمة بالفعل يعني الإخلاص الصادق والحب الحقيقي، الذي يمهد الطريق للسعادة العائلية.
*** المرجع: كتاب "نحن وأطفالنا" ، مجموعة باحثين سوفييت، ترجمة: جوهر سعد. مع تحيات
NOON