جمهورية أفلاطون
لكل إنسان وله حلمه الخاص في تكوين مستقبله المشرق، والذي يكون راضيا بحياته وأفعاله التي سيتركها ميراث لأولاده وأحفاده، ونحن قلنا عن الإنسان العادي، دعونا نحلق في جو الفلسفة وفي أحلام الفلاسفة والحياة التي يهدفون لها والتي يريدونها الأقرب للكمال وأوجه الجمال.
كما نعرف عن الإغريق وحكمتهم التي أنشأت حضارة على ممر العصور والتي ستبقى خالدة إلى الأبد.
سأكتفي في هذا الموضوع عن تقديم لمحة لما جاء عن الفيلسوف الكبير أفلاطون في حلمه العظيم لتقديم المثل الأعلى عن جمهوريته الخالدة التي لانستطيع الإستغناء عنها ولا يمكن تطبيقها، مثل النجوم التي في السماء التي لانستطيع الوصول إليها ولكننا لا نستطيع أن نمشي إلا في نورها.
عندما فكر أفلاطون في جمهوريته كانت عقب حرب بين إسبارطة وأثينا التي أثارت الخراب والفوضى في مجتمعاتها، فأراد بناء مدينة جديدة، مدينة تقوم على الرخاء والسعادة، مدينة يمكن اجتماع جميع سكانها لخطيب(حكيم) واحد، وجمهوريته خالية من الغنى ومن الفقر لأن الغنى يولد الترف والرخاوة والفقر يولد الدناءة والرزيلة، والناس في الجمهورية يحصلون على ما هم في حاجة حقيقية له ولا ينالون ما لا يحتاجون له.
والمجتمع في الجمهورية هو اجتماع الأفراد في ائتلاف كائتلاف أعضاء جسم الإنسان الواحد، فكل فرد يخدم الجماعة وفق كفايته وقدرته، ويحدث السلام والوفاق بين بعضهم أي الأفراد إذا اختص كل عضو بوظيفته لا يتعداها الآخر، فالعدل عند أفلاطون هو (إيجاد مكان لكل إنسان وأن يكون كل إنسان في مكانه).
ولكن كي يضمن أفلاطون من أن كل إنسان يبقى في صناعته ومكانه، فقد احتاج إلى إيجاد نظام الطبقات:
1.
طبقة الأوصياء وتختص بدرس الحكمة وتدبير شؤون الجمهورية السياسية والحكومية.
2.
طبقة المقاتلة وتختص بالجندية لحماية المدينة.
3.
طبقة العمال وتختص بالزراعة والصناعة.
وطبعا لم يكون للعبيد طبقة أو اهتمام لأن أفلاطون لم يعتبر العبيد من شيء غير أنهم في درجة أدنى من الإنسان وفي خدمته دوما.
وكانت عناية أفلاطون هي بالطبقتين الأولى والثانية، أما الثالثة فلا يبالي بها كثيرا.
كما ألغى أفلاطون حقوق امتلاك الأشياء وامتلاك الزوجات بين طبقة الأوصياء وطبقة المقاتلة، ولكنه أبقاها بين طبقة العمال.
أما الابتداء بتقسيم الطبقات فيتم على الانتخاب، يختار الصبي الذكي لكي يكون وصيا فيربى تربية خاصة، ثم يختار صبي آخر يميل إلى الرياضة البدنية وتبدو عليه دلائل القوة فيختار لطبقة المقاتلة، أما طبقة العمال فليس هناك تولبد مقصود بينهم، فهم يتزوجون وينسلون وتربية الأولاد فهي تربية شائعة بين الزراع والصناع فيتتلمذ الصبي عند زراع أو صناع فيتعلم منه حرفته.
أما الطبقة المقاتلة فتكون لهم ثكنة خاصة بهم، فلا يمتلكون ولا يتزوجون وإنما يتعرفون إلى نساء، فإذا حملن منهم لم ينتسب الابن إلى أب معروف، بل ينشأ مقاتلا، ولا يعرف ولاء إلا لوطنه.
وكذلك الحال في طبقة الأوصياء، وهنا أجمل الرجال وأكثرهم حكمة وعقلا يشجع على التناسل حتى يكثر أولاده ويرثوا صفاته في الشجاعة والعقل،ولكل طبقة رجالها ونسائها ولا يسمح بالتخالط مع باقي الطبقات.
ومفهوم الحرية هو الهم الأول الذي يهتم به الفيلسوف أفلاطون ويعده أخطر ما ينبغي العناية به،فهو بذلك وكل حراستها إلى الأوصياء الذين يجب عليهم اختراع الأنظمة التي تضمن عدم العبث بها، فالناس في جمهورية أفلاطون يحكمون أنفسهم، ولكن يضع الأوصياء الدساتير لهم سواء أكان لطبقة العمال أم لطبقة المقاتلة،فهم أشبه بالمشرفين منهم بالحكام، فاذا وجدوا أن الدستور الموضوع لطبقة العمال مثلا لا يفي بحاجتهم استبدلوه بغيره.
وهذه الأفكار هي أعقد ما في جمهورية الفيلسوف أفلاطون، فإن أفلاطون يعتقد أن وراء هذا الكون المحسوس أفكارا قد سبقته،وهي بمثابة الأصل والروح، وهذه الأفكار هي الشيء الثابت، بينما المحسوسات التي نحس بها هي الشيء الزائل، فأنا أكتب مثلا بقلم محسوس، ولكن فكرة القلم قد سبقت مادة القلم.
وكل هذا يعتمد عليه أفلاطون بالتربية ويقول:
إن التربية يجب أن تبدأ قبل الولادة. وذلك يجب أن يكون الأبوان سليمين والولد المشوه يجب قتله فور ولادته.
أتمنى لكم قراءة ممتعة...