بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من روائع الإمام الشافعي رحمه الله
المجموعة الأولى
رحـــم الله الإمـــام الشافعـــي فقد كان شعره وعلمه حكمــة ونوراً ..
***************************************
هذه هي الدنيا :
تموت الأسد في الغابات جوعا ... ولحم الضأن تأكله الكــلاب
وعبد قد ينام على حريـــر ... وذو نسب مفارشه التــراب
دعوة إلى التنقل والترحال :
ما في المقام لذي عـقـل وذي أدب ... من راحة فدع الأوطان واغتـرب
سافر تجد عوضـا عمن تفارقــه ... وانْصَبْ فإن لذيذ العيش في النَّصب
إني رأيت ركـود الـماء يفســده ... إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
والأسد لولا فراق الغاب ما افترست ... والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة ... لملَّها الناس من عجم ومن عـرب
والتِّبرُ كالتُّـرب مُلقى في أماكنـه ... والعود في أرضه نوع من الحطب
فإن تغرّب هـذا عـَزّ مطلبـــه ... وإن تغرب ذاك عـزّ كالذهــب
الضرب في الأرض :
سأضرب في طول البلاد وعرضها ... أنال مرادي أو أموت غريبـا
فإن تلفت نفسي فلله درهــــا ... وإن سلمت كان الرجوع قريبا
آداب التعلم :
اصبر على مـر الجفـا من معلم ... فإن رسوب العلم في نفراته
ومن لم يذق مر التعلم ساعــة ... تجرع ذل الجهل طول حياته
ومن فاته التعليم وقت شبابــه ... فكبر عليه أربعا لوفاتــه
وذات الفتى والله بالعلم والتقى ... إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته
متى يكون السكوت من ذهب :
إذا نطق السفيه فلا تجبه ... فخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فـرّجت عنـه ... وإن خليته كـمدا يمـوت
عدو يتمنى الموت للشافعي :
تمنى رجال أن أموت ، وإن أمت ... فتلك سبيـل لـست فيها بأوحــد
وما موت من قد مات قبلي بضائر ... ولا عيش من قد عاش بعدي بمخلد
لعل الذي يرجـو فنـائي ويدّعي ... به قبل موتـي أن يكون هو الردى
لا تيأسن من لطف ربك :
إن كنت تغدو في الذنـوب جليـدا ... وتخاف في يوم المعاد وعيـدا
فلقـد أتاك من المهيمـن عـفـوه ... وأفاض من نعم عليك مزيـدا
لا تيأسن من لطف ربك في الحشا ... في بطن أمك مضغة ووليـدا
لو شــاء أن تصلى جهنم خالـدا ... ما كان أَلْهمَ قلبك التوحيــدا
فوائد الأسفــار :
تغرب عن الأوطان في طلب العلا ... وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تَفَرُّجُ هم ، واكتسـاب معيشــة ... وعلم وآداب ، وصحبة ماجـد
الوحدة خير من جليس السوء :
إذا لم أجد خلا تقيا فوحدتي ... ألذ وأشهى من غوى أعاشره
وأجلس وحدي للعبادة آمنـا ...أقر لعيني من جـليس أحاذره
أدب المناظرة :
إذا ما كنت ذا فـضل وعلم ... بما اختلف الأوائل والأواخر
فناظر من تناظر في سكون ... حليمـا لا تـلح ولا تكابـر
يفيدك ما استفادا بلا امتنان ... من النكـت اللطيفة والنوادر
وإياك اللجوج ومن يرائي ... بأني قد غلبت ومن يفـاخـر
فإن الشر في جنبات هـذا ... يمني بالتقـاطـع والـتدابـر
العلم مغرس كل فخر :
العلم مغرس كـل فخر فافتخـر ... واحذر يفوتك فخـر ذاك المغـرس
واعلم بأن العـلم ليس ينالـه ... من هـمـه في مطعــم أو ملبـس
إلا أخـو العلم الذي يُعنى بـه ... في حـالتيه عـاريـا أو مـكتـسي
فاجعل لنفسك منه حظا وافـرا ... واهجـر لـه طيب الرقــاد وعبّسِ
فلعل يوما إن حضرت بمجلس ... كنت أنت الرئيس وفخر ذاك المجلس
نور الله لا يهدى لعاص :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخـبرني بأن العـلم نــور ... ونور الله لا يهـدى لعـاص
لمن نعطي رأينا :
ولا تعطين الرأي من لا يريده ... فلا أنت محمود ولا الرأي نافعه
الذل في الطمع :
حـسبي بعلمي إن نـفــع ..
ما الــذل إلا في الطمــع !
من راقـب الله رجــــع ..
ما طــار طير وارتفــع
إلا كـما طـار وقــــع !
الحب الصادق :
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا محال في القياس بديـع
لو كان حبك صادقا لأطعتـه ... إن المحب لمن يحب مطيـع
في كل يوم يبتديك بنعمــة ... منه وأنت لشكر ذلك مضيع
فضل التغرب :
ارحل بنفسك من أرض تضام بها ... ولا تكن من فراق الأهل في حرق
فالعنبر الخام روث في موطنــه ... وفي التغرب محمول على العنـق
والكحل نوع من الأحجار تنظـره ... في أرضه وهو مرمى على الطرق
والكحل نوع من الأحجار تنظـره ... فصار يحمل بين الجفن والحـدق
أيهما ألذ؟ :
سهـري لتنقيـح العلوم ألذ لي ... من وصل غانية وطيب عنــاق
وصرير أقلامي على صفحاتها ... أحلى مـن الدّّوْكـاء والعشــاق
وألذ من نقر الفتـاة لدفهــا ... نقري لألقي الـرمل عـن أوراقي
وتمايلي طربـا لحل عويصـة ... في الدرس أشهى من مدامة ساق
وأبيت سهـران الدجى وتبيته ... نومـا وتبغي بعـد ذاك لحــاقي
مشاعر الغريب :
إن الغريب له مخافة سارق ... وخضوع مديون وذلة موثق
فإذا تذكر أهـلـه وبـلاده ... ففؤاده كجنــاح طير خافق
التوكل على الله :
توكلت في رزقي على الله خـالقي ... وأيقنـت أن الله لا شك رازقي
وما يك من رزقي فليـس يفوتني ... ولو كان في قاع البحار العوامق
سيأتي بـه الله العظـيم بفضلـه ... ولو، لم يكن من اللسـان بناطق
ففي اي شيء تذهب النفس حسرة ... وقد قسم الرحـمن رزق الخلائق
العلم رفيق نافع :
علمي معي حـيثمــا يممت ينفعني ... قلبي وعاء لـه لا بطــن صـنـدوق
إن كنت في البيت كان العلم فيه معي ... أو كنت في السوق كان العلم في السوق
تول أمورك بنفسك :
ما حك جلدك مثل ظفرك ... فتـول أنت جميع أمرك
وإذا قصدت لحـاجــة ... فاقصد لمعترف بفضلك
فتنة عظيمة :
فســاد كبيـر عالم متهتك ... وأكبر منه جـاهل متنسك
هما فتنة في العالمين عظيمة ... لمن بهما في دينه يتمسك
دعوة إلى التعلم :
تعلم فليس المرء يولد عالـمــا ... وليس أخو علم كمن هو جاهـل
وإن كبير القوم لا علم عـنـده ... صغير إذا التفت عليه الجحافل
وإن صغير القوم إن كان عالما ... كبير إذا ردت إليه المحـافـل
إدراك الحكمة ونيل العلم :
لا يدرك الحكمة من عمره ... يكدح في مصلحة الأهـل
ولا ينــال العلم إلا فتى ... خال من الأفكار والشغـل
لو أن لقمان الحكيم الذي ... سارت به الركبان بالفضل
بُلي بفقر وعـيـال لمـا ... فرق بين التبن والبقــل
أبواب الملوك :
إن الملوك بـلاء حيثما حـلـوا ... فلا يكن لك في أبو أبهم ظــل
ماذا تؤمل من قوم إذا غضبـوا ... جاروا عليك وإن أرضيتهم ملوا
فاستعن بالله عن أبو أبهم كرمـا ... إن الوقوف على أبوابهــم ذل
المهلكات الثلاث :
ثلاث هن مهلكة الأنـام ... وداعية الصحيح إلى السقام
دوام مُدامة ودوام وطء ... وإدخال الطعام على الطعـام
العلم بين المنح والمنع :
أأنثر درا بين سارحة البهــم ... وأنظم منثورا لراعية الغنـم
لعمري لئن ضُيعت في شر بلدة ... فلست مُضيعا فيهم غرر الكلم
لئن سهل الله العزيز بلطفــه ... وصادفت أهلا للعلوم والحكـم
بثثت مفيدا واستفدت ودادهـم ... وإلا فمكنون لدي ومُكْتتـــم
ومن منح الجهال علما أضاعـه ... ومن منع المستوجبين فقد ظلم
العيب فينا :
نعيب زماننا والعيب فينا ... وما لزمانا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب ... ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب ... ويأكل بعضنا بعضا عيانا
يا واعظ الناس عما أنت فاعله :
يا واعظ الناس عما أنت فاعله ... يا من يعد عليه العمر بالنفس
احفظ لشيبك من عيب يدنسه ... إن البياض قليل الحمل للدنس
كحامل لثياب الناس يغسلها ... وثوبه غارق في الرجس والنجس
تبغي النجاة ولم تسلك طريقتها ...إن السفينة لا تجري على اليبس
ركوبك النعش ينسيك الركوب على ... ما كنت تركب من بغل و من فرس
يوم القيامة لا مال ولا ولد ... وضمة القبر تنسي ليلة العرس
الصديق الصدوق :
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا ... فدعه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة ... وفي القلب صبر للحبيب وإن جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه ... ولا كل من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة ... فلا خير في ود يجيء تكلفا
ولا خير في خل يخون خليله ... ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشا قد تقادم عهده ... ويظهر سرا كان بالأمس قد خفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها ... صديق صدوق صادق الوعد منصفا