شكراًَ جزيلاً أيتها العزيزة بلقيس على إعادة تذكيرنا بهذه القصيدة والتي تعتبر واحدة من روائع الشاعر نزار قباني التي خرج فيها عن المألوف في تصويره لعلاقته بالمرأة. ورغم أنني لست من المعجبين بشعر نزار ولا من رواد قرائه، لكنني عندما طالعت القصيدة في مجلة المستقبل بعد فترة من كتابتها جذبتني بحروفها وموسيقاها وبراعة نزار في توصيف الحالة وذوبانه وتماهيه مع الحالة، فهذه القصيدة بحد ذاتها تشكّل مفصلاً مركزياً من مفاصل قصائد نزار التي تعبر عن السير ذاتية بالرغم من مناسبتها الرثائية، فقد دون نزار هذه القصيدة وكتبها إثر الحادثة التي أدّت إلى تدمير السفارة العراقية في بيروت بتاريخ 15/12/1981 ووفاة زوجته بلقيس التي عبرت القصيدة عن مدى عشق نزار وحبه لتلك الإنسانة التي مزج الشاعر فيها، أي القصيدة، بين ما هو تاريخي وإنساني وبين ما هو ماض وحاضر فتداخل في لحظة الزمان والمكان في، ولم يكتف نزار بوصف بلقيس الزوجة والحبيبة بل تجاوز ذلك إلى أن خلق منها أسطورة حب تجمع في داخلها كل معاني الحب وشروطه ودلالاته، فهو يقول ((أهم ما في نظرة بلقيس إليّ خلال اثنتي عشرة سنة اعتبارها إياي الطفل الثالث في البيت، كانت دائماً تقول أنتم أطفالي الثلاثة زينب وعمر ونزار، ولذلك كانت تتصرّف معي عندما كنت أمرض أو أغضب أو أثور بنفس الطريقة التي تتصرف بها مع طفليها))، ونتيجة لذلك التماهي في الحب نرى أن اسم بلقيس يتربّع على رأس كل مقطع شعري إمعاناً في تكريس سير ذاتية القصيدة وشحنها بالحضور الاسمي بوصفه عتبة ضاغطة على فضاء الشاعر والقصيدة معاً،كانت (بلقيس) نزار قبس من ضوء الشمس، على النحو الذي تصبح فيه الموازنة بين حضورها وضياء الشمس من جهة، وغيابها وامتناع الضوء من جهة أخرى، حالة حياة للذات الشاعرة مستمرة بدلالة حضور" بلقيس"، وغيابها يعني توقّف حركة السيرة وزجّها في حالة إظلام وعدم وانفصال عن فعالية الطبيعة. لقد مرّ الشاعر بأزمات ثلاث عصفت بحياته عصفاً مروّعاً، الأولى كانت مع زوجته ((زهراء)) وقد انتهت بالطلاق، والثانية هي وفاة ابنه ((توفيق)) وهو في الرابعة والعشرين بعد أن عجز الأطباء الإنكليز من علاجه من مرض القلب، والثالثة مقتل زوجته (بلقيس).
القصيدة بحد ذاتها ملحمة في الرثاء والتعبير الإنساني، وهي توصيف وبكاء يتجاوز حدود ذات الشاعر، ليجعل كل من يطالع القصيدة ويقرأها ينفعل مع تلك الحالة، من هنا جاء إبداع الشاعر فحلق في فضاء الشعر ووظف التاريخ وطوعه ليقف معه في بكاء حبيبته، ولعلع بكى تاريخنا العربي أيضاً.
شكراً لك عزيزتي بلقيس، فنحن بحاجة لملايين الملكات كي يخرجن من دواخلنا ما باح به نزار.
.................... noon