تعتبر أسطورة الخليقة البابلية المعروفة بفاتحتها اينوما - ايليش (عندما في العلا) من أهم المؤلفات الشعرية التي عرضت تفصيلا لمسألة خلق الكون حسب المعتقدات الدينية لسكان وادي الرافدين . وقد اصطلح المعنيون بالدراسات المسمارية على تسميتها بأسماء أخرى مشابهة تقريبا مثل (قصة الخليقة) و (ملحمة الخليقة) و (ألواح الخليقة السبعة).
كتبت أسطورة الخليقة البابلية شعرا على سبعة ألواح و يروي مجموع أبياتها 900 بيت (سطر) دون احتساب الأجزاء المفقودة من اللوح الخامس . ولذلك يمكن القول أن القصيدة بشكلها الكامل كانت تناهز ألف بيت شعر. ونظرا لأهميتها من الوجهة الدينية, باعتبارها تتضمن الأفكار والمعتقدات الأساسية الخاصة بخلق الكون والإنسان في بلاد وادي الرافدين. فقد كانت القصيدة تنشد, وربما يجري تمثيل أحداثها أيضا , في عيد رأس السنة البابلية وهو عيد اكيتو. وبالرغم من هذه الأهمية التي تمثلها أسطورة الخليقة البابلية , إلا أنها كقصيدة لا ترقى في أسلوبها وفي صورها إلى مستوى قصائد بابلية أخرى نخص بالذكر منها ملحمة جلجامش. ولا يعرف على وجه اليقين الزمن الذي ألفت فيه هذه القصيدة لأول مرة, ولكن المتفق عليه بين الباحثين أن آخر جمع وتأليف لها حدث في أواخر العصر البابلي (1500 - 1400 ق. م, أي ربما في العصر الكشي) علما بأن القصيدة تستمد كثيرا من الآلهة وخلق الكون والإنسان من أطول سومرية تعود إلى زمن أقدم من هذا التاريخ بعدة قرون. ويشخص بدور البطل في أسطورة الخليقة البابلية الإله مردوخ كبير الآلهة بابل, أما الآشوريون فأنهم جعلوا من إلههم القومي آشور بطلا لهذه الأسطورة.
تقول الأسطورة أن الكونية بدأت من أبسو (مياه العمق, العذبة) وزوجته تيامة (المياه المالحة - البحر) ونتيجة الامتزاج بينهما خرج الكثير من الآلهة كلخمو ولخامو ثم انسار وكيشار. إلى أن بلغوا 500,56 إله. ملؤوا الكون لدرجة أن جدهم أبيسو لم يستطع أن يشعر من ضجتهم بالنوم والراحة. فقام الجد وفقا لخطة ممو وزيره بالعزم على قتلهم, وعندما علم أحفاد الآلهة بذلك استشاروا ايا (انكى السومري) إله المعرفة والحكمة, فقال لهم: شلوا حركة أبسو ثم أقتلوه ففعلوا ما قاله وارتاحوا, وعندما علمت تيامة بمقتل زوجها قررت الانتقام له فحضرت جيشا كبيرا برئاسة كنكو الذي عينته قائدا للجيش وزوجا لها. ولما وصل الأمر للآلهة الفتية ارتعدوا مما سمعوه عن قوة الجيش , فهم أيا باستشارة الجد انشار الذي نصحه بمواجهة تيامة, لكنه جبن, فطلب من إله السماء آنو فعل ذلك, لكنه أيضا فشل رغم عظمته . حينها أجتمع الآلهة الفتية واختاروا مردوخ أقوى وأعظم الآلهة كي يقوم بالمهمة وأعطوه القوة السحرية التي تحطم الكواكب , ثم هموا لمحاربة تيامة وقتلها بل شطرها لنصفين صنع منهما الأرض والسماء وقتل كنكو الذي خلق الإنسان من دمه .