وهذه هي القصيدة الثالثة التي تنتمي لسابقاتها، ولأن هناك تقارب في الصورة والنغم آثرت أن تكون في متناولكم ضمن صفحات قريبة من بعضها.
.................................. نون
يحبّ قلبي خباياه و يعبدها
إذا تبرّأ قلب من خباياه
طفولة الروح أغلى ما أدلّ به
و الحبّ أعنفه عندي و أوفاه
قلبي الذي لوّن الدنيا بجذوته
أحلى من النور نعماه و بؤساه
غرّ و أرفع ما فيه غرارته
و أنذل الحبّ – جلّ الحبّ – أدهاه
ما الحسن إلاّ لبنات منمّقة
لكن يؤلهه أناّ عشقناه
لم يرده ألف جرح من فواجعه
حتّى أصيب بسهم منك أرداه
***
آمنت باللّهب القدسيّ مضرمه
أذكى الألوهة فينا حين أذكاه
نزيّن الروح قربانا لفتنته
و قد يضنّ فتستجدى مناياه
و لو أقام الضحايا من مصارعها
لآثرت موتها فيه ضحاياه
ألعبقرّيات وهج من لوافحه
و الشمس مجلوّة إحدى هداياه
و تلئهين بهدي من عقولهم
لو يمّموا اللّهب القدسيّ ما تاهوا
ما راعنا الدهر بالبلوى و غمرتها
لكنّنا بالإباء المرّ رعناه
إن نحمل الحزن لا شكوى و لا ملل
غدر الأحبّة حزن ما احتملناه
و ما رعانا على عصف الخطوب بنا
هوى حبيب رعيناه و نرعاه
ليت الذين و هبناهم سرائرنا
في زحمة الخطب أغلوا ما وهبناه
و لا وفاء لقلب حين نؤثره
حتى تكون رزايانا رزاياه
أشامت عند جلاّنا و ما نزلت
إلاّ على الحبّ و الإيثار جلاّه
هان و محنتي العصماء دامية
راو و من لوعتي الشمّاء سقياه
ما ضجّ في قلبه جرح فكابده
و لا ألمّ به وجد فعاناه
تضنّ باللّهفة الحرّى جوانحه
و القلب أخضبه بالنور أسخاه
فما ترشّفت إيمانا بمعبده
و لا شممت طيوبا في مصلاّه
ناء عن النّار لو طاف اللّهيب به
لوهّجت هذه الدّنيا شظاياه
قد هان حتّى سمت عنه ضغينتنا
فما حقدنا عليه بل رحمناه
يرضيه أن يتشفّى من مدامعنا
لم نبك منه و لكنّا بكيناه
حسب الأحبّة ذلاّ عار غدرهم
و حسبنا عزّة أنّا غفرناه
يهنيك أنّك في نعمى لمحنته
و أنّ غدرك قبل الدهر أشقاه
جاه خلقناه من ألوان قدرتنا
فكيف بكفر فينا من خلقناه
لو رفّ حبك في بيداء لاهبة
على الظماء رحيقا ما وردناه
حلوت طيفك عن عيني فأسلمه
إلى الدجى و إلى الإعصار مأواه
فيا لكنز شكت منه جواهره
و ضاع عن نفسه لمّا أضعناه
صحا الفؤاد الذي قطّعته مزقا
حرّى الجراح و لملمنا بقاياه