ما أسباب إطالة أمد التقاضي؟
تتحقق العدالة بتقرير الحق لصاحبه، ولكن حتى تكون عدالة كاملة غير منقوصة لا بد أن يصدر الحكم الذي بموجبه يحصل صاحب الحق على حقه بالسرعة المطلوبة،
لان بطء العدالة نوع من الظلم. وقد يؤدي بطء العدالة إلى تفويت الفرصة على صاحب الحق من الاستفادة الكاملة بحقه المسلوب، الى ان يصدر الحكم بثبوته له. في الوقت الذي يحتاج فيه استعمال هذا الحق واستغلاله.
ومن ثم فإن طول امد التقاضي امام المحاكم هو سلبية تواجه الكثير من اصحاب الحقوق على الرغم من ان القانون قد نظم اجراءات التقاضي ووضع الضوابط لذلك، وكان نصب عين المشرع آنذاك مصلحة وحقوق صاحب الحق، وذلك في اطار المصلحة العامة. ولوجود استفسارات بهذا الخصوص حول اسباب اطالة امد التقاضي في المحاكم، وهل هو اجراءات كالاعلان ورفع الدعوى ام بسبب الوقت الذي يستغرقه اعداد الرأي الفني من قبل الخبراء في بعض القضايا التي تطلب المحكمة ليتسنى لها الفصل في الدعوى رأي الخبراء الفنيين. 'القبس' حاولت تسليط الضوء على هذه القضية عبر لقاء عدد من المختصين القانونيين لمعرفة رأيهم في اسباب طول امد التقاضي او نتائجه.
وفيما يلي تفاصيل اللقاءات..
عبداللطيف صادق: 3 أسباب وراء طول أمد التقاضي
وضع رئيس مجلس ادارة جمعية المحامين عبداللطيف صادق ثلاثة اسباب لطول فترة التقاضي.
وقال صادق:
اولا - بالنسبة لاجراءات رفع الدعوى: من المعروف ان رفع الدعوى لا يتطلب سوى اتباع التعليمات المنظمة المرسومة وفق قانون المرافعات وهي لا تستغرق وقتا طويلا، بل اذا صح القول لا يستغرق هذا الاجراء سوى بضع دقائق قليلة، هذا اذا كان كل شيء مكتوبا ومعدا وصحيفة الدعوى موقعة من محام مقيد طبقا لقانون تنظيم المهنة بالجمعية امام المحكمة المختصة وفي حدود درجة قيده، ومقدمة للقيد بالجدول مع عدد صور بقدر عدد الخصوم المدعى عليهم وصورة اضافية لجدول المحكمة ويسدد الرسم الذي يحدده قسم الرسوم ثم تقيد بالجدول ومنه لقسم الاعلانات، وهذا الامر لا يتجاوز مع الشخص المتمرس سوى بضع دقائق وتكون الدعوى مرفوعة ومحدد لها الجلسة والدائرة التي ستنظرها وبعد اعلان الصحيفة ترسل من قسم الاعلان الى سكرتير الدائرة التي ستنظرها.
ونرى معا ان هذه الاجراءات متى تمت صحيحة ودونت بوضوح عناوين الخصوم لا يمكن ان توصف بطول امد التقاضي.
ثانيا - الاعلان: الحقيقة قد يجد المحامي بعض الصعوبة في اعلان الصحيفة، خاصة اذا كان مندوب الاعلان لا يستدل بوضوح على المكان المراد اعلان الخصم فيه او اذا كان جديدا في عمله لا يعلم المناطق بشكل جيد، او اذا تعمد الخصم ذكر الاعلان بشكل غير صحيح بقصد تطويل امد التقاضي او عدم وصول صورة الصحيفة لخصمه ومن جانبنا سعينا الى حمل الزملاء المحامين على ذكر عناوين الخصوم بوضوح لمزيد من التعاون مع قسم الاعلان بجميع المحاكم.
وقد تكون هناك اشكالية فيمن قام بتغيير عنوانه دون اخطار الهيئة العامة للمعلومات المدنية بعنوانه الجديد فهنا الاشكالالذي قد يترتب عليه طول امد التقاضي حتى يكتمل الشكل القانوني المطلوب.
ثالثا - تأخير رأي الخبرة:
اذا انجز الخبير المهمة المنوطة به كتب تقريره، كما هو متبع، وارسله مع الملف الى المحكمة وهذا الامر يتوقف على خبرة الخبير وحسن ادارته جلسات المأمورية.. ولكن قد يحدث احيانا نوع من الاطالة بالخبرة لاسباب مرجعها للادارة في حال ايفاد الخبير لدورة تدريبية تحدد اثناء عمله او مباشرته المأمورية التي اسندت اليه، او اذا تأخر اخطار الخصوم غير المسجل لهم عناوين مختارة واضحة بموعد الجلسة التي سيباشر من خلالها المأمورية ويتقاعس الملتزم بالاعلان عن الارشاد..
ولكن في حالة الحرص على انجاز الإعلان المطلوب من قبل المتقاضي فلن تستغرق الدعوى بادارة الخبراء وقتا طويلا بل سينهي الخبير مأموريته في اقل وقت ممكن ورغم ذلك فان هناك دعاوى تتعلق بالمنازعات العقارية وتعدد الملاك وقد يحسن الملكية فهذا النوع يستغرق وقتا اطول حتى يمكن الخبير من اعداد تقريره بشكل مستوف وقائم على اسس علمية تمكن المحكمة من اعتماد التقرير.
نوع الدعوى
وعما اذا كان النوع هو السبب في اطالة امد التقاضي قال صادق: نعم.. نوع الدعوى له دور كبير في انجازها وقد يستغرق نظر بعض القضايا بطبيعتها النوعية بعض الوقت اذا ما تطلب الحكم فيها الاستعانة برأي ادارة الخبراء واستعانتهم بخبراء الدراية او الطب الشرعي سواء للكشف الطبي وتحديد لجنة لتوقيع الكشف واعداد التقرير او في فحص مستند من قبل قسم التزييف والتزوير، او اذا كانت الدعوى تتطلب المرور ببعض المراحل القانونية، كما هو متبع في قضايا التطليق، التي تنظرها محاكم الاحوال الشخصية، اذا نوع الدعوى والاجراء المطلوب فيها هو الذي يحدد المدة التي تستغرقها في البحث والتداول امام المحكمة وحتى الفصل فيها عندما يرى القاضي انها اصبحت جاهزة للحكم.
هل هناك سلبيات معينة في هذه الالية؟ ام ان الاجراءات المتبعة لسير الدعوى بالمحاكم هي السبب في اطالة امد القاضي.. وما هو الاقتراح لحلها؟
يجيب صادق عن هذا السؤال بقوله:
- نعم توجد سلبيات مصدرها العنت في الخصومة واساءة الحق في التقاضي عندما يتعمد الخصم تكرار طلب التأجيل لاسباب متعددة تبدو قانونية ويكون على المحكمة ان تتيح الفرصة للخصم لابداء دفاعه كاملا، ويكون على الخصم الاخر الحذر من ذلك ويقدم المطلوب للمحكمة في وقت مناسب، وبذلك يضيق السبيل على من يحاول اطالة امد التقاضي ويعمل على سرعة الفصل في الدعوى حتى لا تظل سيفا مصلتا عليه.. ما اراه واقترحه لسرعة الفصل في القضايا هو تخصيص قضاة المحاكم الابتدائية بقضايا معينة فعلى سبيل المثال القاضي الجنائي يقتصر عمله بالمسائل الجنائية والقاضي المدني بالمسائل المدنية وهكذا. وهذا الاختيار للقاضي يترك له المجال الواسع في البحث العلمي والاجتهاد لما هو معمول به في محكمة الاستئناف او التمييز.
تجربة
ويتذكر صادق انه مر بتجربة ذات علاقة قائلا:
اذكر في دعوى رفعها احد الازواج طالبا ضم حضانة اولاده لزواج مطلقته من اجنبي عن بناته.. وبعد ان تستمر الدعوى فترة في قسم الاعلانات وتنعقد الخصومة يحضر محام ويطلب التأجيل للاستعداد ثم ليقدم باقي مستنداته ثم تحدث المفاجأة وهي تطليق الزوجة من الزوج الجديد ومن ثم يعاد لها حقها في الحضانة ويصبح المضي في اجراءات الدعوى لا ضرورة له ومضيعة للوقت ثم يعيد الزوج الجديد الزوجة المطلقة لعصمته مرة اخرى وحينئذ يرفع طالب الحضانة الدعوى مجددا.. وهكذا يعيد ودعوى اخرى تعاد لادارة الخبراء بمذكرة اعتراضات من احد الخصوم على تقرير الخبير وتضطر المحكمة لذلك لتحقيق دفاع الخصوم كاملا ثم ترسل من ادارة الخبراء بعد العرض والدراسة للمحكمة ثم تعاد مرة اخرى للخبرة لاخفاق الادارة في امر ما.. وهكذا.
وعلق صادق على مقولة ان 'بطء العدالة نوع من الظلم.. مؤكدا انها مقولة غير صحيحة.. لان العدالة دائما هي العدالة والقضاء لم يكن بطيئا في يوم ما.. ولكن كما ذكرت الخصومة النوعية للدعوى هي التي تحتاج احيانا لاتباع مسيرة قانونية والا طعن على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون بالاضافة الى ذلك فاننا نلاحظ ازدياد عدد القضايا في مختلف المجالات وبكم هائل بالامكان الاستغناء عن ذلك باللجوء الى التحكيم، وبالاخص في المنازعات التجارية او العمالية لما يتميز به التحكيم من اجراءات قانونية ابسط من اجراءات التقاضي المعتاد.
علي العطار: إدخال المواد القانونية في مناهج التربية يرفع وعي المجتمع
يعدد المحامي علي العطار أسباب اطالة أمد التقاضي، ويقول:
لعل من أهم أسباب استغراق الفصل في الدعوى لأمد طويل، هو عدم جهوزية الدعوى للفصل فيها لأسباب ترجع للمتقاضين أنفسهم، وذلك بسبب تدني الوعي القانوني لدى الكثيرين، وبالتالي فإن دخولهم في علاقات قانونية وابرامهم للتصرفات (كالعقود مثلا) من دون وجود غطاء قانوني محكم ينظم العلاقة بين الأطراف ويضمن حقوقهم، يسبب لهم الكثير من المتاعب اذا ما ثار خلاف بين الاطراف مستقبلا بسبب قصور الأدلة المعتبرة قانونا لإثبات حقوقهم، أو عدم وجودها أصلا، مما يدخل القضاء في متاهة البحث عن الحقيقة، وهو أمر ليس باليسير، كما يتصور البعض ويحتاج إلى مزيد من الوقت، مما يستوجب ادخال بعض المواد القانونية كمناهج تدرس في المدارس لرفع الوعي القانوني.
ويضيف العطار: ان الروتين الإداري الذي تعاني منه المحاكم من الناحية الإدارية لا يختلف كثيرا عن مثيلاته في الجهات الحكومية في الدولة، ولا شأن للقضاء به، وان كنا شهدنا خلال السنوات القليلة الماضية تطورا ملموسا لاختصار وتطوير بعض الاجراءات الإدارية في المحاكم التي من شأنها اختصار أمد التقاضي ونتطلع الى ازالة أهم سبب لاطالة أمد التقاضي وهو اتمام الاعلانات، وذلك عن طريق تزويد مندوبي الإعلان بالخرائط الالكترونية، كما هو معمول به لدى شركات القطاع الخاص العاملة في مجال البريد.
وعن أكثر القضايا التي تمتد لسنوات يقول العطار: هي تلك المتعلقة بالنزاع على التركات، فترى ان النزاع يمتد جيلا بعد جيل وحتى الآن نعمل في عدة قضايا متعلقة بتركة شخص توفي قبل ما يزيد على عشرين سنة، لكن في المقابل يجب الا يكون هناك تعجل أيضا، وذلك كي نضمن تروي القضاء في قول كلمته الفصل التي تعتبر عنوانا للحقيقة.