أنا شخص في الأربعون من العمر ، أعمل في وظيفة مرموقة بأحد البنوك لدى شقة فاخرة وسيارة ، توفيا والداي منذ فترة ... وأنا من وقتها أشعر وكأن حياتي شريط سينمائي يعاد عرضه كل يوم ...
كانت حياتي تعتمد دائماً على السرعة فانا أعتقد بأني يجب أن أقوم بكل شيء بسرعة كي أكون ناجحاً ، كنت أستيقظ كل يوم في الصباح , أغسل وجهي , وأتناول إفطاري ، ثم أغادر مسرعاً إلى عملي وبعد الانتهاء من العمل أعود إلى المنزل , ثم أتناول الغداء , ثم أنام قليلاً , ثم أستيقظ لأجلس أمام التلفاز (صديقي الوحيد) ، ثم أذهب لإحضار العشاء أو أطلب بعض المأكولات الجاهزة ، وقد أجلس قليلاً أمام الكمبيوتر قبل النوم ، ودائماً على نفس المنوال ...
في أحد الأيام استيقظت من النوم ولكنى على غير عادتي شعرت بالكسل ولم أقم من النوم مسرعاًً لاستعد للذهاب إلى العمل .. بل ظللت جالساً على السرير أنظر إلى سقف الغرفة وأتأمل في أثاث الغرفة كأني أراه لأول مرة ، ثم قمت لأغسل وجهي ، ثم لفت نظري وأنا أنظر للمرآه ، كأن هناك أحد مر من خلفي شعرت بالفزع وأخذت أنظر خلفي فلم أجد شيء ذهبت إلى غرفتي لارتدي ملابسي وانأ اشعر وكأن أحد معي في المنزل وأثناء ذهابي تعلق طرف ثوبي بمقبض الباب فجذبني إلى الأرض لأسقط وتسقط معي أحدى اللوحات الفنية المعلقة على أحد جدران الطرقة المؤدية لغرفة النوم وقد تهشم إطارها الزجاجي في المكان ...
شعرت بالفزع وأنخلع قلبي خشيت أن يكون شخصاً هو الذي جذبني من ملابسي , لم أهتم بقطع الزجاج المبعثرة على الأرض لأني قد تأخر عن العمل , ارتديت ملابسي وغادرت المنزل على الفور ...
أخذت أفكر طوال الطريق فيما حدث , أخذت أتساءل هل يكون المنزل مسكوناً مثلاً ؟ , لست أدرى قد أكون أبالغ في ردة فعلي , لكنى وأثناء انشغالي بهذا الأمر ،أخذت أتأمل الطريق المؤدى إلى العمل وكأني أراه لأول مرة ...
ظللت أتأمل السيارات , والأشخاص , واللافتات الإعلانية الكبيرة , والشوارع الضيقة , والأشجار) وحدث هذا الأمر أيضاً في مقر العمل أيضا أخذت أنظر وأتأمل (المكاتب , الأقلام , الأوراق) ...
حتى أفقت على صوت أحد العملاء وهو يتحدث بصوت مرتفع يا أستاذ أنا مستعجل أرجوك خلصني , اعتذرت له عن عدم انتباهي له ، وبعد أن أنصرف بقليل أتي المدير يسألني : هل أشكو من شيء ؟ , هل أحتاج إلى الراحة ؟ , ولكنى أخبرته أنى على ما يرام وأنه بعض الإرهاق نتيجة للعمل , وبعد انتهاء العمل وأثناء عودتي إلي المنزل ، تكرر نفس الشيء معي أخذت أنظر وأتأمل فيما حولي حتى أنى تركت سيارتي وذهبت إلى المنزل سيراً على الأقدام , فلاحظت أحدى الكراسي المطلة على أحدى ضفاف النيل .. جلست عليه وأخذت أتأمل منظر النيل وأرى تيار المياه وهو يسبح حاملاً معه أوراق الشجر المتساقطة من الأشجار المنتشرة على ضفتيه ...
أخذت أفكر فيما يحدث لي منذ بداية النهار ، أشعر وكأنني لست على طبيعتي .. وبعد مضى بعض الوقت ذهبت إلى المنزل , ولكن عندما وصلت إلى باب الشقة وأخرجت مجموعة المفاتيح من جيب معطفي سمعت أصوات في الداخل , أقشعر بدني من الخوف , ولكني أخذت أقنع نفسي أن هذه تهيؤات ، وأن الصوت قد يكون من عند أحد الجيران , وتشجعت وفتحت باب المنزل ودخلت ...
تيقنت وقتها من أن الصوت قادم من داخل الشقة ، أخذت أجر قدمي واحدة تلو الأخرى , حتى ذهبت إلى المكان الذي يؤتى منه الصوت وكانت غرفة الجلوس , وعندما نظرت بداخل الغرفة إذا بي أجد التلفاز مفتوحاً ، هدأت قليلاً .. ولكن !! هل أنا من قام بفتحه ؟ , لا أتذكر ذلك , أغلقت التلفاز وذهبت إلى غرفة نومي ...
ولكني وجدت اللوحة الفنية وقد اختفت من مكانها !! وقد قام أحد ما بإزالة قطع الزجاج التي كانت متناثرة على الأرض , هنا لم أستطع الحركة من مكاني ، لا أدرى ماذا أفعل ؟ , هل أطلب قسم الشرطة ؟ , أم أغادر المنزل على الفور ؟ , شعرت أنى يجب أن أتماسك وأحاول استكشاف الأمر أولاً , واستكملت طريقي إلى الغرفة , فلم أجد بداخلها شيء ألا أنى لاحظت أن الغرفة قد تم تنظيفها وترتيب الأثاث الخاص بها , ساورني هذا الشعور بأن البيت قد يكون مسكوناً ...
ولكن !! ما هذا الصوت الذي أسمعه أنه !! أنه قادم من المطبخ ولكن ما هذا ؟ ، أنه صوت امرأة تغنى :
أنا لك على طول .. خليك ليا
خد عين مني وطل عليا
وخد الاثنين وأسأل فيه
ولولا معرفتي بأن هذه الأغنية للفنان عبد الحليم حافظ لكنت توقعت أن يكون صوت المذياع ، أخذت أفكر في أن أغلق باب الغرفة من الداخل وأطلب الشرطة ولكنى أردت أن أعالج الأمر بنفسي ...
وزاد ثقتي معرفتي بأن الشخص الموجود فتاه وليس رجل وبالتأكيد سأتغلب عليها , أنهيت هذا النقاش الذي يدور في عقلي وأخذت قراري وذهبت إلى المطبخ بهدوء دون أن أحدث أي صوت وعندما وصلت , إليها وجدتها . أنها فتاه في غاية الجمال تغنى وكأنها كروان , كانت تقف أمام الموقد فلم أرى ألا جانب وجهها وشعرها الطويل الناعم يتدلى على كتفها كأنه يستمع لغنائها ...
تراجعت قليلاً لأهدأ قليلاً بعد هذا الخوف الذي تملكني , أخذت أفكر أنها لصة محترفة تقتحم المنازل لتسرقها ، ويا لجرأتها أنها تغني وتقوم بتحضير الطعام وكأنه منزلها ...
دخلت إلى المطبخ وأنا في شدة الانفعال وصحت فيها ماذا تفعلين عندك ؟ , فزعت الفتاة وتركت ما بيدها لتسقط أحدى الأواني على الأرض محدثتاً ضجة كبيره , توقفت قليلاً تلتقط أنفاسها من أثر المفاجأة فقد أحمر وجهها كثيراً وكأنها رأت شبحاً .. ثم قالت وهى تبلع ريقها بصعوبة ، متى وصلت حبيبي ؟ , سامحني لم أشعر بوجودك , هنا صحت وأنا في شدة الانفعال ماذا تقولين ؟ (حبيبي) , يالكي من وقحة , أتظنين أنى سأتأثر بهذا الكلام المعسول , لولا أنني لا أضرب السيدات لكنت عاقبتك بشدة ...
ظلت تنظر إلى بذهول ثم قالت حبيبي ماذا بك ؟ ، ما هذا الذي تقوله ؟ ، هل أنت بخير , لقد كنت ألاحظ أنك في الفترة الأخيرة لا تعيرني أي اهتمام ولكنى تعودت على هذا منك .. قاطعت كلامها قائلاً أنكى تتحدثين كأنك تعرفينني أنا لا أعرف اللصوص أمثالك ؟ , هنا أخذت دموعها تنهمر وهى تقول حبيبي أنا زوجتك كيف تقول لي هذا الكلام ألانني أحبك تفعل بي هذا ، واقتربت مني تحاول أن تضع يدها على وجهي ...
فأبعدت يدها عني بعنف وقلت لها ماذا تفعلين .. هل جننت ؟ , هنا شعرت بالدماء تغلي في عروقي وصحت فيها .. ماذا ؟ (زوجتي) , كيف تجرئين على أن تقولي هذه الكلمة على لسانك تبدئين بسرقة المنزل والآن تريدين أن تتهميني بهذه التهمة , أخذت تبكى بشدة وهى تقول - تهمة - هل حبي لك وزواجنا أصبح تهمة ؟ ...
لم أتمالك أعصابي ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أجذبها من شعرها إلى باب الشقة وهى ترجوني وتقبل يدي كي أتركها وترجوني ألا أفعل بها هذا أمام الجيران , أخرجتها خارج الشقة وأغلقت الباب بعنف ، وجلست قليلاً على أحد الكراسي بجانب الباب وأنا أقول ما هذا الذي يحدث لي ، منذ أن أصبحت اليوم وأنا أقول أنا هذا اليوم غريب عن كل يوم ...
لكن برغم ما حدث . أنا أتذكر وجه هذه المرأة وأشعر أني قد رأيتها من قبل !! ولكن أين ؟؟ , ذهبت مسرعاً إلى غرفة المكتب وأحضرت الألبوم الخاص بالصور وأخذت أتفحصه : فهذه صوري وأنا صغير وصوري وأنا مع عائلتي وصور أصدقائي في الدراسة وصور التخرج و !! و !! ، ما هذا ؟ أنها !!
أنها صورتي مع هذه المرأة ولكنها ترتدي فستاناً أبيض وأمي تقف بجانبها وأبى يقف من جانبي , أخذت أقلب الصور فوجدتها أيضا وهى تشاركني لحظات نجاحي وفرحي ، وحتى صورتي وأنا مريض أنها يجلس بجواري ممسكة بيدي وهي في شدة الحزن ، أخذت أردد من هذه ؟ ، من هذه ؟ ، ألقيت بهذا الألبوم على الأرض وفتحت درج المكتب لأحضر حافظة الأوراق الهامة وأخذت أتصفحها بانفعال فهذه شهادة ميلادي وشهاداتي الدراسية وشهادة التخرج و !! أنها قسيمة زواجي .. هنا فقط شعرت وكأن حياتي شريط سينمائي يمر من أمامي أرى فيه كل لحظات عمري وتذكرت حينها من هذه المرأة أنها هذه الفتاه التي كنت أحبها وأتمنى الارتباط بها .. أنها زوجتي التي طالما أحبتني وتحملت الكثير من أجلى , سقطت على كرسي المكتب وأنا أبكى بشدة ...
كيف ؟ .. كيف حدث هذا ؟ .. ما الذي فعلته ؟ .. لم أكن أهتم إلا بعملي ونجاحي ونفسي حتى أهملت زوجتي ولم أعد أهتم بها ، فلم أعد أشعر حتى بوجودها .. قمت مسرعاً لكي أذهب أليها فانزلقت قدمي وسقطت على وجهي لكي تندفع الدماء من أنفى وكأنها صنبور من المياه , لم أهتم بذلك .. قمت مسرعاً إلى باب الشقة وفتحت الباب فوجدتها تجلس على السلم واضعة يدها على وجهها وهى تبكى ...
أمسكت بيدها وقلت لها أنا أسف سامحيني لن أفعل هذا بكي مرة ثانية ، سأهتم بكى كما وعدتك قبل الزواج ، سأرعاكي وأعمل على راحتك ، أخذت أقبل يدها كي تسامحني ، أرجوكي سامحيني ...
وإذا بها ترفع رأسها لتنظر إلى وجهي , وأخذت تنظر بذهول وهي تبكي . ما هذا ؟ ، ما هذه الدماء حبيبي ؟ , ماذا حدث لك ؟ , هل تتألم ؟ , لم أتمالك نفسى , فسقطت على قدمي لأجلس أمامها وأنا ممسك بكلتا يديها أقبلهم , وقلت لها سامحيني لقد أهنتك ، وأهملتك ، وأسأت اليكي ، ولم أعطكي حقك ، وبعد كل هذا لم يهمك إلا سلامتي قبل سلامتك .. وأخذت أبكى بهستيرية وأنا أقول لها سامحيني .. سامحيني .. أرجوكى سامحيني , قالت لي حبيبي لا تفعل هذا بنفسك .. أنا لم أريد ألا أن تكون إنسان ناجحاً ، وأن تحقق أحلامك حتى لو كان هذا على حسابي .. حبيبي في سبيل هذا يمكنني أن أقدم لك حياتي حتى تكون سعيداً .. ولم أدرى كم أستمرينا على هذا الوضع قبل أن ندخل إلى الشقة ...
أسرد أليكم حكايتي حتى لا تفعلوا مثلى , ويأخذكم العمل والأصدقاء والمشاغل عن زوجاتكم اللذين تربطكم بهم علاقة تعهدتم من خلالها على رعايتهم والاهتمام بهم .. فأعطوهم حقهم ...
منقول