التحكيم في القانون المصري
أهمية التحكيم:
التحكيم ليس بظاهرة جديدة مستقلة بجذورها عن الماضي وإنما هو تطبيق لفكرة التحكيم في المجتمعات القديمة وامتداد للتحكيم التجاري الدولي في العصور
الوسطى.
ولقد ظهرت أهمية التحكيم في العصر الحديث بعد زيادة معدلات التجارة واتساع أسواقها وعدم ملائمة التنظيمات القضائية وكذلك لما يتميز به من تحرر الأطراف المحتكمين من القيود التي تفرضها النظم القانونية لمختلف الدول ، فضلاً عن أن التحكيم كنظام يوفر الوقت.
كما أن نظام التحكيم يحقق للمعاملات التجارية وخاصة الدولية منها مزايا السرية حيث تكون جلساته سرية .
كما أن التحكيم يتيح للخصوم انتقاء المحكمين ممن لديهم الخبرة الكافية والتكوين المهني والتخصص في تسوية نوع معين من المنازعات. كذلك فإن التحكيم في العادة قليل النفقات ويضاف إلى ذلك أن المحكم قد يعفى من الالتزام بتطبيق قواعد القانون والحكم بمقتضى العدالة.
تعـريفـه
اقترح فقه القانون الوضعي تعريفه على أنه (الاتفاق على طرح النزاع على أشخاص معينين يسمون محكمين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة)
موقف القانون المصري من تعريف التحكيم
تنص المادة (10) من قانون التحكيم المصري رقم (27) لسنة 1994 على أن
1- اتفاق التحكيم هو اتفاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي تنشأ أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية
2- يجوز أن يكون اتفاق التحكيم سابقاً على قيام النزاع ، كما يجوز أن يتم اتفاق التحكيم بعد قيام النزاع.
3- ويعتبر التحكيم كل إحالة ترد في العقد إلى وثيقة تتضمن شرط التحكيم إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءاً من العقد.
وللتحكيم وجهان
1- أن يكون التحكيم في نزاع معين بعد نشأته ويسمى مشاركة تحكيم
2- أن يتفق ذوو الشأن مقدماً قبل قيام النزاع على عرض المنازعات التي تنشأ مستقبلاً والخاصة بتنفيذ عقد معين على التحكيم ويسمى شرط التحكيم.
صور التحكيم وأشكاله المختلفة في الممارسة العملية:
أولاً: التحكيم الاختياري والتحكيم الإجباري وأساس التفرقة بينهما: ويختلف هذان النوعان من التحكيم من حيث مبدأ اللجوء إليه فيكون التحكيم اختيارياً إذا كان اللجوء إليه بإرادة الأطراف المختلفين ويستند إلى اتفاق خاص. أي إذا تم اللجوء إليه بمحض إرادة الخصوم وأطراف النزاع وهذا النوع من أنواع التحكيم يرتكز على دعامتين أساسيتين وهما الإرادة الذاتية للأطراف المحتكمين وإقرار المشرع.
وإذا كان ما تقدم هو الأصل فإن هذا لا يمنع المشرع من أن يجعل من التحكيم في بعض المنازعات أمراً واجباً لا يملك معه الأطراف رفع هذه المنازعات إلى قضاء الدولة وهو ما يعرف بالتحكيم الإجباري.
ويجب عدم الخلط بين التحكيم الإجباري وقضاء الدولة وذلك عندما يصدر العمل من هيئات قضائية استثنائية إن القضاء الاستثنائي يعد من قضاء الدولة ولذلك فإن القرار الصادر منه له القوة التنفيذية
أما في التحكيم الإجباري فإن القرار الصادر من هيئة التحكيم التي يلتزم الأطراف بالالتجاء إليها لا يحوز القوة التنفيذية إلا بعد شموله بأمر التنفيذ إذ هو قرار تحكمياً .
فضلاً عن أن الهيئة التي تنظر النزاع في القضاء الاستثنائي تتكون من أشخاص دائمين بينما في التحكيم الإجباري تشكل هيئة التحكيم بالنظر إلى كل نزاع على حدة وكذلك فإن أعضاء القضاء الاستثنائي في الدولة لا يختارون بواسطة أطراف النزاع بينما يختار الأطراف بعض أعضاء التحكيم الإجباري .
وقد أخذت مصر بالتحكيم الإجباري وذلك لحسم المنازعات بين الهيئات الهامة والمؤسسات العامة وشركات القطاع العام.
ويستند وضع هذا النظام إلى أساسين:-
الأساس الأول:
أن منازعات القطاع العام لا تعتبر منازعات حقيقية بين مصالح متعارضة
الأساس الثاني:
توفير الجهد والنفقات على أن الأخذ بهذا النظام قد لاقى بعض الاعتراضات من جانب الفقه وهذه الاعتراضات تمثلت في آلاتي:
1- أنه يؤدي إلى الإخلال بمبدأ وحدة القضاء
2- أنه إذا كان هناك مبرر لوجود هيئة متخصصة فإنه يمكن أن يعهد بهذه المنازعات إلى دائرة متخصصة .
3- أن هذا النظام مكلف
4- أن هذه المكافآت تعتبر وسيلة للمساس باستقلال القضاء
ثانياً: التحكيم بالقضاء والتحكيم مع تفويض المحكم أو المحكمين بالصلح:
يعرف التنظيم القانوني نوعين آخرين من التحكيم هما التحكيم بالقضاء والتحكيم مع تفويض المحكم أو المحكمين عند قيامهم بالفصل في النزاع المراد عرضه على التحكيم ومدى ما يتمتع به المحكم أو المحكمين من سلطات ومقدار ما يرد عليها من قيود.
1- الحدود الاتفاقية لسلطة المحكم أو المحكمين:
أطراف الاتفاق على التحكيم يستطيعون الاتفاق معاً على الإجراءات التي تتبع أمام المحكم سواء تم هذا الاتفاق في عقد التحكيم أم تم في اتفاق لاحق وفي هذه الحالة يجب إتباع هذه الإجراءات ، بشرط عدم مخافتها للمبادئ الأساسية للتقاضي وعدم تضمنها أية إخلال بحقوق الدفاع أو مخالفة لقواعد التحكيم المقررة قانوناً وعدم مراعاة هذه الإجراءات الاتفاقية الواردة في عقد التحكيم يرتب بطلان حكم المحكمين لأنه يعد بمثابة خروج على حدود وثيقة التحكيم وتجاوز لحدود السلطة المحكم.
والأطراف المحتكمون قد يتفقون في شرط التحكيم أو مشارطته أو أثناء خصومة التحكيم على قواعد تفصيلية لخصومة التحكيم وفي هذه الحالة تكون الأولوية لما تم الاتفاق عليه وعلى المحكم أن يستكمل ما نقص منها.
وإذا اتفق الأطراف المحكمون على إتباع إجراءات الخصومة القضائية الواردة في قانون المرافعات المدنية والتجارية وجب على المحكم أو المحكمين إتباعها.
2- الحدود القانونية لسلطة المحكمين: يلتزم المحكم بالفصل في النزاع المعروض عليه وفقاً لقواعد القانون الموضوعي ما لم يكن الأطراف المحتكمون قد أعفوه من التقيد بها وحتى ولو كان الأمر كذلك فأنهم لا يستطيعون مخالفة قواعد القانون المتعلقة بالنظام العام.
فالمحكم المفوض بالصلح لا يتقيد بقواعد القانون الموضوعي فضلاً عن أنه لا يتقيد بأوضاع المرافعات ولا تسري على تصرفاته الجزاءات المقررة في هذا القانون إلا أنه يعتد بالشكل الخاص الوارد في خصوص قانون التحكيم المصري.
ونتيجة لذلك فإن المحكم سواء كان محكماً بقضاء أو مفوضاً بالصلح فإنه يلتزم بتحرير حكمه وإبداعه وذلك لمجرد التأكد والتحقق من أن حكمه قد توافر فيه كل الشكل المطلوب وذلك تمهيداً لتنفيذه كما يلتزم تسيير حكمه وإلا كان باطلاً وهو بصدد حسم النزاع المعروض عليه بحدود النزاع المتفق على الفصل فيه.
كما يلتزم المحكم عموماً بالإجراءات والأوضاع المتعلقة بالنظام العام والمقصود منها حماية حقوق الدفاع واحترامها كما يجب على المحكم احترام قاعدة عدم قضاء القاضي بعلمه الشخصي ومبدأ وجوب نظير النزاع واتخاذ إجراءات الإثبات بحضور جميع أعضاء هيئة التحكيم وغير ذلك من مبادئ التقاضي وضماناته الأساسية.